يومًا بعد يوم، يزداد الشعور بالعجز لدى بكر الناجي الذي تعتصر قلبه الغصة عندما ينفد الطعام الذي يطبخه تطوعا لتكية في رفح جنوب قطاع غزة، بينما يسمع أطفالاً يشــكون من الجوع.
نزح ناجي (28 عامًا) من مدينة غزة بعد بدء عدوان الاحتلال على القطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو يبدأ الطبخ بعد صلاة الفجر لصالح التكية. يقول: "أطبخ تطوعًا لمساعدة الناس في هذه الأوضاع المأسوية".
ويتابع قائلاً: أصعب لحظة بالنسبة إلي هي عندما نبدأ بتوزيع الوجبات على الناس، فيما الآلاف يقفون في الطابور، فقد شعرت بغصة في قلبي حينما انتهى الطعام وبقي الأطفال يسألون عنه ويشكون بأنهم جائعون ولم يأكلوا"، مشيرًا إلى أن بعض المتطوعين يتنازلون أحيانًا عن حصصهم من الطعام.
تسبب عدوان الاحتلال الشامل برًا وبحرًا وجوًا منذ 82 يومًا على قطاع غزة، بدمار هائل في القطاعات كافة فخرجت معظم المستشفيات عن الخدمة، ونزح قسرا نحو 1,9 مليون شخص من منازلهم وقراهم ومدنهم، وفق الأمم المتحدة.
ويواجه نصف مليون شخص، أي قرابة ربع المواطنين، خطر الجوع بحسب تقرير صدر هذا الأسبوع عن برنامج أممي يرصد مستويات الجوع في العالم. وفي الأسابيع الستة المقبلة، قد يجد جميع أهالي القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، أنفسهم في الوضع نفسه.
وتجمعت أعداد كبيرة من الفلسطينيين، بينهم العديد من الأطفال، خلف حاجز في رفح، بينما يحمل كل منهم طبقًا بلاستيكيًا، منتظرين أن يصل دورهم للحصول على طبق طعام من القدور الساخنة.
ويقول المسؤول عن التكية التي تقع في منطقة الشابورة في رفح خالد شيخ العيد: "نعاني من شح الموارد. العدس والبرغل نفدا من السوق وكذلك البازيلا والفاصولياء".
ويقدر شيخ العيد أن "نحو عشرة آلاف شخص" يحاولون الحصول يوميًا على الطعام في القطاع المحاصر.
وتقوم التكية بإعداد الطعام مستخدمة تبرعات ومستعينة بمتطوعين.
ويقول ناجي: "نخشى أن يموت الناس من الجوع"، مشيرًا إلى أن سعر علبة الفول ارتفع من شيقل لستة شواقل (دولاران).
ويتابع: "كان الناس فقراء قبل العدوان. من كان يعمل قبل العدوان كان بالكاد يستطيع إطعام أطفاله. فما بالك بالوقت الحالي؟".
بعد شهرين ونصف من العدوان، بات أهالي القطاع يعانون من نقص كبير جدًا في المواد الغذائية والمياه والأدوية والوقود وكل الأساسيات.
لم تتمكن سلام حيدر (36 عامًا)، الأم لثلاثة أطفال، من الحصول على الطعام السبت، مشيرة إلى أنها في العادة تأتي لتقف في الطابور منذ الثامنة صباحًا.
وتضيف بتأثر "تأخرت اليوم لأنني كنت مع ابني الذي يخضع لعلاج في العيادة. طلبت المساعدة للعودة بسرعة للحصول على الطعام ولكن العيادة كانت مزدحمة".
وبكت قائلة "أشعر بالحزن والقهر. لم نأكل شيئًا اليوم ولن نأكل".
وتتابع "ابني الصغير يبكي بشدة رغبة في الحصول على حلوى. رأى طفلاً يحمل حلوى وحاول انتزاعها منه. أخبرته أن هذا لا يجوز".
تأتي نور بربخ التي نزحت من شرق خان يونس إلى مدرسة تابعة للأونروا في رفح وهي حامل في الشهر الخامس لحجز دور للحصول على الطعام.
وتقول: "أتألم كثيرًا وأنا انتظر بسبب الوقوف والمزاحمة"، موضحًا أنها ترسل أحيانًا ابنها البالغ من العمر 12 عامًا للوقوف ولكنه يتعرّض للدفع.
وتضيف: "لولا هذه التكية، لما أكلنا شيئًا. ما نحصل عليه لا يكفي ولكنه أفضل من لا شيء".
وتشير السيدة التي حاولت الحصول على خبز "أولادي سيموتون من الجوع. فقدوا الكثير من الوزن. ويستيقظون ليلاً من النوم بسبب الجوع".
وتضيف: "أن نموت شهداء أفضل من الموت من الجوع".
وفي حصيلة غير نهائية، أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن استشهاد 20,258 مواطنًا، وجرح نحو 53,688 مواطنًا، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها