بقلم: حسين السنوار
لم يتخيل أي إنسان يعيش في القرن الحادي والعشرين أن يأتي يوم لن يتمكن فيه الناس من دفن موتاهم في المقابر كما يليق بالبشر.
رائحة الموت والدماء ما زالت تنبعث من ساحات وممرات مستشفيات وشوارع وأزقة قطاع غزة. أشلاء الأطفال والنساء والشبان وكبار السن متناثرة في كل مكان. بعضها تحلل والآخر نهشته الكلاب الضالة والحيوانات. مشاهد ما زالت ماثلة وشاهدة أمام العالم أجمع وسط صمت مطبق.
لم يكتف الاحتلال في عدوانه على قطاع غزة بتحويل المواطنين إلى أشلاء، بل منع دفنهم في المقابر، وأجبر الطواقم الطبية والعاملين في المستشفيات على دفنهم في مقابر جماعية بساحاتها، وبعد ذلك نبش المقابر الجماعية وحمّل جثثا بشاحنات وأخذها إلى أماكن مجهولة، ما يتنافى مع كل الأديان، وكل القيم الإنسانية والبشرية، وما يتعارض حتى مع فطرة الإنسان.
جثامين الشهداء امتزجت بجروح ودماء المصابين وأجساد المرافقين والنازحين في ساحات وممرات المستشفيات، ولم يستطع أحد نقل تلك الجثث لثلاجات الموتى التي أصبحت صناديق ودواليب فقط لانقطاع الكهرباء عن المستشفيات أو لدفنها في المقابر ومواراتها الثرى، لضراوة العدوان الإسرائيلي على الإنسانية.
مصادر طبية في مجمع الشفاء الطبي في غزة، قالت إنه تم دفن عشرات الشهداء في مقبرة جماعية في ساحات المستشفى، وذلك نتيجة الحصار والعدوان الإسرائيلي المستمرين على القطاع.
وذكرت أنه تم دفن 179 جثة على الأقل في مقابر جماعية في ساحات المستشفى بسبب منع قوات الاحتلال التي تحاصر المجمع الطبي من نقل جثامين الشهداء لدفنها في المقابر، مشيرًا إلى أن من بينهم 7 أطفال خدج توفوا جراء انقطاع الكهرباء والوقود عن المستشفى، مؤكدا أن إدارة المستشفى اضطرت لدفن الشهداء في قبر جماعي داخل المجمع بعد تحلل جثامينهم وعدم الموافقة الإسرائيلية على طلب قدم للجنة الدولية للصليب الأحمر لإخراجها ودفنها في المقابر.
أما في شمال القطاع فقد أكدت مصادر طبية في المستشفى الاندونيسي في بيت لاهيا، تحويل ساحة ملعب كرة قدم رملي مجاور للمستشفى لمقبرة جماعية لدفن عشرات الشهداء الذين تكدست جثثهم في المستشفى، ولم يتمكن ذويهم من التعرف عليهم نظرا لقوة الأسلحة المستخدمة في القصف، ما أجبر الطواقم الطبية على دفن تلك الجثث مجهولة الهوية والتي قدرت بالعشرات في ساحة الملعب.
فيما أكدت مصادر في وزارة الصحة، خطورة دفن جثامين الشهداء في مقابر جماعية في ساحات المستشفيات، وأوضحت أن المواطنين والطواقم الطبية اضطروا لذلك نظرًا لعدم وجود أي غطاء أو حماية من اللجنة الدولية للصليب، خاصة أنه لا توجد خيارات أخرى لأن الجثث بدأت تتحلل.
وقالت مصادر في مستشفى غزة الأوروبي، إن قوات الاحتلال حولت المستشفيات إلى مشارح ومقابر بعد تكدس الجثث في ساحاتها في انتهاك صارخ لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، وأضاف، فعليًا تحولت المستشفيات إلى مشارح ومدافن ودليل ذلك تحويل الساحة الخارجية للمستشفى الإندونيسي شمال القطاع لمقبرة للشهداء الذين كانوا موجودين فيها، لافتا إلى أن هناك تكدس لعشرات الجثث في مجمع الشفاء الطبي.
يشار إلى أن 25 مستشفى من أصل 35 في قطاع غزة خرجت عن الخدمة، إلى جانب 52 مركزًا صحيًا للرعاية الأولية بسبب العدوان الإسرائيلي الشرس والمستمرة على القطاع منذ السابع من الشهر الماضي، كما أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، توقف مولد الطاقة الوحيد في مستشفى الأمل التابع لها في خان يونس جنوب قطاع غزة، جراء نفاد الوقود.
ويعاني قطاع غزة من انقطاع التيار الكهربائي منذ أكثر شهر ونصف، في أعقاب إغلاق إسرائيل إمدادات الكهرباء واستنفاد احتياطيات الوقود اللازمة لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة.
كما قالت مصادر طبية في غزة، إن قوات الاحتلال اختطفت الجثث من ثلاجة مستشفى الشفاء الطبي ومن المقبرة التي تم حفرها في ساحة مجمع الشفاء الطبي، ونقلتها عبر شاحنات إلى جهة مجهولة، مطالبًا الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق المواطنين والمصابين والشهداء في القطاع.
وذكر المواطن محمود خلة، إنه وخلال رحلة نزوحه من منطقة الشيخ رضوان غرب محافظة غزة إلى خان يونس جنوب القطاع شاهد عشرات بل مئات الجثث ملقاة في الطرقات وأزقة الشوارع غالبيتها لنساء وأطفال ورضع ولم يستطع أحد الاقتراب منها، وكل من يحاول ذلك يتم تصفيته وإطلاق النار عليه من قبل الدبابات الإسرائيلية المتمركزة الطريق.
وأضاف: رأينا عشرات الجثث المنتفخة وأخرى متحللة، وغيرها أنصاف جثث واشلاء ممزقة تعتليها الذباب والحشرات، وجثث منهوشة من الكلاب الضالة، مشيرًا إلى أن الجرافات الإسرائيلية حفرت حفرة جنوب محافظة غزة ويوجد بها عدد من جثامين الشهداء.
أما المواطن محمد بكر فقال: خلال رحلة نزوحي من مجمع الشفاء الطبي إلى خان يونس منعنا جنود الاحتلال من حمل أي متاع أو شنطة وكل من يحمل بيده شيئًا يجبر على رميه في الطريق، مشيرًا إلى أن جنود الاحتلال قاموا بتصفية وقتل أربعة مواطنين كانوا يحملون معهم شنطًا وأكياسًا بلاستيكية وضعوا بها بعضًا من ملابسهم وغذائهم.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يشن حربًا شرسة ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي راح ضحيتها حتى اللحظة أكثر من 12000 ألف شهيد، أكثر من 5000 منهم اطفال وقرابة 3000 امرأة و30000 جريح ومصاب الآلاف منهم بحالات خطرة وجروح وحروق عميقة، علاوة على حالات بتر الأطراف، إضافة لتدمير عشرات آلاف المنازل والشقق السكنية التي بات أصحابها بلا مأوى ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء سواءً في مراكز الايواء أو في بعض الشوارع وأمام مقرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها