قطع سيادة الرئيس أبو مازن الطريق على ذرائع الدول الاستعمارية العميقة التي أنشأت منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري "إسرائيل"؛ لوسم حركة التحرر الوطنية الفلسطينية بالإرهاب، واعتبار الشعب الفلسطيني حاضنته الأساس، ونسف كل أرهاصاتهم التي حاولوا تسويقها، وتصدى لضغوطهم، وقالها بصراحة ووضوح وشجاعة وبموقف لا يقبل التأويل، معلوم طريقنا لتحقيق أهدافنا الوطنية في الحرية والاستقلال. سلفًا لديهم، لكنه أعاد تذكيرهم به، وهو أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لها موقف ثابت من العنف والتنكيل بحق المدنيين من الجانبين، إذ قال حرفيًا على مسامع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن: "نؤكد على سياسة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، التي تنبذ العنف وتتمسك بالشرعية الدولية والمقاومة الشعبية السلمية والعمل السياسي طريقًا لتحقيق أهدافنا الوطنية في الحرية والاستقلال". وبذلك يؤكد للعالم أن الحقيقة الثابتة هي القيم والمبادئ الانسانية الملهمة للكفاح الوطني التي جسدها المناضل الوطني الفلسطيني لأكثر من نصف قرن في ثورته المعاصرة، ومن قبلها في ثوراته المتعاقبة ضد أشكال الاستعمار والاحتلال على أرض فلسطين، ونعتقد أن سيادة الرئيس قد أفحمهم بمصداقية الشعب الفلسطيني في أطروحاته على درب الحرية والاستقلال، ونبله في التعامل مع القضايا المتعلقة بأرواح ومصائر الأبرياء، ونعتقد أنهم يعلمون كيف استقبلت فلسطين مئات وآلاف اليهود الهاربين من جحيم النازية، وضحايا التمييز العنصري الملتجئين إلينا هربًا من جحيمه. 

قطع سيادة الرئيس بهذا الموقف على مخططي ومنفذي المؤامرة الدولية الاستعمارية على الحق الفلسطيني، وذلك ببصيرته البعيدة المدى، وإدراكه العميق لسياسات هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي سعت هذه المرة إلى تبرير اتهاماتها وادعاءاتها المعدة سلفًا باعتبار الشعب الفلسطيني حاضنة للإرهاب ليتمكن هؤلاء الأوغاد من تمرير إخضاع الشعب الفلسطيني على الأقل لشروطهم، تحت تهديد الحرب وعمليات الابادة بالوسائل العسكرية، ونعتقد أن تزامن اطلاق بنيامين نتنياهو رئيس حكومة منظومة الاحتلال مسمى "داعش" على فرع الاخوان المسلمين المسلح في فلسطين (حماس) لم يكن رد فعل، ولم يكن عبثًا بالمصطلحات، وإنما في سياق المؤامرة الكبرى التي نشهد وقائع جرائمها مباشرة على الأرض في مدن وبلدات وقرى وبيوت مليوني فلسطيني في غزة، جريمة إبادة، وفي أقل توصيف جرائم حرب وضد الإنسانية شاملة، لا تمييز بين فلسطيني وآخر، وصور الأجنة والرضع  والأطفال والنساء- أكثر من 50% من الشهداء الفلسطينيين- ستبقى وصمة عار في سجل الإنسانية، رغم أنها ليست جديدة، ولا تختلف عن سابقاتها المنظورة، أو الموثقة في الكتب، والسجلات السرية لما يسمى العالم المتحضر، سوى كثافتها وسعة نطاقها ودوائرها، ووسائلها وأدواتها (أحدث تكنولوجيا الحرب في العالم)، فالعقل المدبر الصهيوني الارهابي الهمجي للمجازر والمذابح بحق شعبنا موروث، ولم يتغير، إلا عند الذين تحرروا من مفاهيم وتعاليم وادعاءات منظومة الصهيونية الدينية والسياسية، وباتوا يدركون استحالة اخضاع الشعب الفلسطيني بعد اعتراف العالم بحقه في تقرير مصيره واستقلاله وسيادته على جزء من أرضه التاريخية والطبيعية، كما يعرفون أن السبيل الوحيد للاستقرار والأمن والسلام يتحقق بالحل السياسي، وتطبيق ما اتفق عليه، والمنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، الاقرار بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران سنة 1967.

اسقط سيادة الرئيس أبو مازن بهذا الموقف الجديد القديم اقنعة نفاق لدى حكومات ودول استعمارية، وازدواجية معاييرها، مؤكدًا رسالته باسم الشعب الفلسطيني إلى العالم بأن الإنسانية لا تتجزأ، وحق الإنسان في الحياة بكرامة في وطنه، وحقه في العودة إلى وطنه، والعيش بحرية، والاستقلال والسيادة ثابت، لا يحتمل التأويل، أو التصنيف في درجات أو خانات، وأنه من كان مع حرية الشعوب، لا يحق له استثناء الشعب الفلسطيني، ليس هذا وحسب، بل نستشعر منه عدائية، مموهة بعمليات تجميل خطابية، لم يعد ممكنًا خداعنا بها، ولا خداع الأحرار في العالم. 

ستستيقظ شعوب هذه الدول يومًا من سباتها، وستكتشف فظاعة الظلم الذي اوقعته الحكومات المتعاقبة على الشعب الفلسطيني، وسيعرف المنخدعون والمضللون عاجلاً أم آجلاً أن الذين كانوا سببًا في نكبة الشعب الفلسطيني الأولى، هم أنفسهم السبب سيادة الرئيس في النكبة الثانية التي يشاهدون تفاصيلها الزمانية والمكانية بوسائل الاتصال والتواصل والإعلام، على خلاف النكبة الأولى التي انزلوها بالشعب الفلسطيني فيما كانت هذه الشعوب قبل أكثر من ثلاثة أجيال مشغولة بمواراة جثامين عشرات الملايين من أحبائهم ورفع ركام جرائم جيوش النازية في اوروبا، وسيعلمون أيضًا أننا نحن الشعب الفلسطيني ضحايا منظومة استعمارية دولية وصهيونية دينية وسياسية، لا تقل في فظاعة جرائمها عما لحق بهم آنذاك.