رئيس الإدارة الأميركية يؤكد مرارًا وتكرارًا، أنه ليس يهوديًا، ولكنه صهيوني. وأعاد على مسامع ومرآى العالم "أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، فإنه سيقيمها" وأضاف في غير مكان وتصريح وخطاب، أن إسرائيل قدمت خدمات استراتيجية للولايات المتحدة والغرب الرأسمالي. ونسي أن يقول، نحن من أوجدها، ومصيرها مرتبط بمصير الولايات المتحدة، ولن نسمح بأي انتصار للفلسطينيين والعرب، ومن حق إسرائيل استباحة وإدماء قلوب الشعب الفلسطيني، وذبح اطفاله ونسائه وشيوخه، وتدمير مساكنهم، ونهب أرضهم ومزارعهم ومصانعهم ومياههم وكل ثرواتهم، ومن حقها تحويلهم ل"عبيد"، وهذا ما أكده يوم الثلاثاء الماضي الموافق العاشر من شهر أكتوبر الحالي عندما خرج على العالم وحوله نائبته كمالا هريس، ووزير خارجيته، بلينكن وغيرهم، وأعلن بشكل غوغائي وبعجرفة عنصرية، أنه يقف إلى جانب إسرائيل الاستعمارية في عدوانها البربري والهمجي المنفلت من عقال القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقلب الحقائق رأسا على عقب، وقام بتزوير الوقائع والمعطيات الماثلة للعالم ولشهود العيان، مع ادعائه على الفلسطينيين بشكل عدواني وحاقد، ومليء بالكراهية، واتهمهم بممارسة "الاغتصاب" و"الذبح" و"قتل الأطفال" وغيرها من الترهات، التي لم تحمل أي مصداقية.
وقام بعملية تحريض واسعة على الشعب الفلسطيني واذرع مقاومته، واتهمها ب"الإرهاب" و"الشر"، وتنكر لحقوق الفلسطينيين: حقهم في الدفاع عن انفسهم، في حين أنه، أطلق العنان لإسرائيل لترتكب ابشع الجرائم، وعمليات القتل، وقام بتقديم (مليارات دولار مساعدات عاجلة للدولة اللقيطة، وأرسل جسرًا جويًا لمد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل، كما ووجه حاملة الطائرات "جيرالد فورد"، أحدث حاملة طائرات لتكون قبالة إسرائيل، لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لها، ولترهيب الاشقاء العرب وأذرع المقاومة العربية من الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وأرسل حجاج إدارته من بليكن إلى أوستن إلى سلبفان وغيرهم من أركان البيت الأبيض لتقديم الدعم السياسي والديبلوماسي والأمني والعسكري والمالي والاقتصادي والمعنوي لحليفتهم الاستراتيجية. كما وطالب رئيس الإدارة الأميركية من مصر الشقيقة فتح معبر رفح لتهجير الفلسطينيين، وقام عن سابق تصميم وإصرار بتشويه النضال الوطني الفلسطيني، وسعى ويسعى لرفع الغطاء عن شرعية المقاومة الوطنية، وقلب مكانتها القانونية والسياسية، ووجه امبراطوريات الاعلام الغربية في اميركا وأوروبا لتشويه صورة الفلسطيني النبيل، وردد بشكل غير مباشر ما صرح به وزير الحرب الإسرائيلي، غالانت، بان الفلسطينيين المقاومين "حيوانات ادمية"، الذي تجاهل مكانته ومكانة كل اقرانه من القيادات الإسرائيلية في الحكومات المتعاقبة الإرهابية واللا أخلاقية، مجرمو الحرب على مدار عقود الصراع الطويلة.
رغم أن هذا الرجل مريضًا، ويفقد الذاكرة أحيانًا، بيد أنه يعي مهامه كوكيل لامبراطوريات المال الصهيونية، وللحكومة العالمية، التي تعتبر إسرائيل المارقة الخارجة على القانون "أيقونتها" التي تدر عليهم ذهبا، والتي حالت دون نهوض وتطور شعوب الأمة العربية، وحرمت وتحرم الشعب الفلسطيني من حقه في الحياة والاستقلال والسيادة على أرضه وفي دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية. وكما أكد كيسنجر في مذكراته، وتصريحاته الأخيرة بمناسبة حلول ذكرى حرب أكتوبر الخمسين، ان الولايات المتحدة لن تسمح للعرب بتحقيق أي نصر على إسرائيل مهما كانت جرائم الحرب التي ترتكب بحقهم، وعليهم الإذعان والاستسلام لمشيئة واشنطن وحلفائها في الغرب وإسرائيل.
وعليه فإنه بدا (بايدن) في خطابه يوم الثلاثاء الماضي كقاطع طريق، ورجل عصابات، لا يمت بصلة لمكانة رئيس دولة، أي رئيس دولة، وليس امبراطورية الولايات المتحدة، لأنه وقف بعجرفة وغطرسة معطيًا الدولة الإسرائيلية الاستعمارية الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة والأرض المحروقة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وكل فلسطين، متنكرًا للدستور الأميركي نفسه، الذي أكد صراحة على حق تقرير المصير لكل شعوب الأرض، وانقض على القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية وقانون حقوق الإنسان مستبيحًا إياها ليغطي جرائم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وفرض صيغة بيان على مجلس وزراء خارجية الدول العربية لا يستقيم مع ما يجري على الأرض عندما ساوى بين الضحية والجلاد، واملى على بعض العرب الرسميين ان يتصلوا بعائلات صهيونية لتقديم العزاء لهم، في حين أن أي من المسؤولين العرب لم يتصل باي من الاف العائلات الفلسطينية المكلومة والتي مسحت من السجل المدني، ودمرت بيوتها.
وتباكى مع وزير خارجيته اليهودي، بليكن وسليفان واوستن وهرس على الضحايا الصهاينة، الذين شبهوا بضحايا المحرقة "الهولوكست"، وتناسوا عن سابق عمد وإصرار محارق الدولة الإسرائيلية، وآخرها حرب الإبادة التي تفوق العديد من المحارق في التاريخ، وتجاهل كليا أسباب الإرهاب والفوضى والحروب بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت نير الاستعمار من قرن مضى ويزيد، ودولة النكبة الإسرائيلية، التي كان استعمارها الاجلائي الاحلالي لفلسطين هو أس كل الإرهاب والعنف والفوضى. ولا يمكن للارهاب الإسرائيلي ان ينتهي الا بمنح الشعب العربي الفلسطيني حقوقه السياسية والقانونية، وتامين الحماية الدولية لابنائه في القطاع وكل محافظات الوطن وفي مقدمتها القدس الشرقية، وتامين الكهرباء والماء والغذاء والمساعدات الطبية والإنسانية لابناء الشعب المحاصرين في قطاع غزة منذ 17 عامًا خلت في مدنهم ومخيماتهم وقراهم، والاعتراف بالدولة الفلسطينية فورًا، والاسهام برفع مكانتها في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، وعقد مؤتمر دولي للسلام بجدول زمني محدد لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وضمان تقرير المصير للكل الفلسطيني.
كان الأجدر بالرئيس الأميركي، الراعية دولته لعملية السلام، أن يكون أكثر اتزانًا ومسؤولية هو وأقرانه في البيت الأبيض، وان يروا اللوحة باعينهم كلها، وان يكفوا عن ازدواجية المعايير، وان يضبطوا مرتزقتهم في الدولة اللقيطة ويلزموهم بخيار السلام الممكن والمقبول، ان كانوا يعنون ما يرددونه دوما عن خيار حل الدولتين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها