مدينة ليست كما غيرها من المدن، جبلت على التضاد مع الغزاة منذ تبلورت وتشكلت ملامحها قبل أربعة الاف عام، لم تنحني يوما لغازي ومستعمر، كابدت شظف العيش غزوة تلو الأخرى، وكالعنقاء خرجت من تحت الرماد تغرد للسلام والعلم والحياة، وتجلت هويتها الكنعانية مع نشوء وتطور الإنسان الفلسطيني، وتعمدت بالكوفية أسوة بالمدن الفلسطينية كافة، وطرزت أثواب حرائرها غرزة غرزة مع كل ولادة جديدة بعد انعتاقها من غزاة مروا عليها لبعض الوقت، وشيدت معالمها العمرانية الكنعانية حقبة تلو الأخرى من التاريخ، وازدهرت فيها العلوم والفلسفة والأداب والفنون في العصور المتعاقبة، وكانت قبلة أهل العلم والعلماء.
غزة العزة والكرامة الوطنية وقفت شامخة كالطود منذ بداية الغزوة الاستعمارية الصهيونية، ودافع ابناءها الميامين عن مكانتها وشخصيتها الوطنية في معارك الحرية والاستقلال منذ عشرينيات القرن الماضي، وشكلت إلى جانب القدس ويافا وحيفا وعكا والناصرة ونابلس وجنين والخليل وأريحا وكل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية ملامح الهوية الوطنية الجامعة. وكانت علامة فارقة في التاريخ الوطني المعاصر مع حملها راية الوطنية الفلسطينية وإشعال شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي انطلقت مطلع العام 1965، ومازالت تمثل رافعة للوطنية الفلسطينية. رغم النزيف الدامي الذي أصابها على مدار العقود الماضية وحتى لحظة الجلجلة الراهنة من الأعداء الصهاينة وادواتهم المأجورة.
وها هي اليوم تقف عملاقة على اقدامها في لجة ودوامة حرب الإبادة والأرض المحروقة الصهيو أميركية وفاءًا لإنتمائها للوطنية الفلسطينية ولممثلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير مع كل أبنائها الخلص، ودفاعًا عن الكرامة والعزة والاصالة والاستقلال والحرية وتقرير المصير والعودة للديار التي طرد منها أبناء الشعب في عام النكبة عام 1948، والنازحين الذين شردتهم هزيمة حزيران / يونيو 1967، ولم ترفع، ولن ترفع راية الاستسلام، رغم ويلات وهمجية ووحشية حرب طاغوت الشر الولايات المتحدة وربيتها إسرائيل اللقيطة ومن لف لفهم من دول الغرب وعملائهم من عرب وعجم.
غزة الناهضة من وحشة الظلام الدامس، وليل الغربان كسرت تابوهاتهم، وحطمت أصنامهم واستراتيجياتهم البائسة، وأعلنت القيامة على دولة الطغاة الفاشية دفاعا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية والوطنية الفلسطينية والقومية العربية، وعن كل طفل وامرأة من الشعب الابي، وتقدمت الصفوف وهي تعلن طوفانها المقدس على سيوف الأعداء الحديدية، وها هي تقاتل بلحم أبنائها الحي، وصدورهم العارية وارادتهم الفولاذية لتصنع معجزة الغد في بناء ركائز السلام شبه العادل والممكن على انقاض البطش والتغول الوحشي الصهيو أميركي، لتقول للعالم من أقصاه إلى أقصاه هنا كانت فلسطين، وهنا ستبقى فلسطين، ولا خيار إلا لفلسطين العربية المعمدة بالدم والنار والبارود وغصن الزيتون.
يا وعد السماء انت، يا وعد الله في ملكوته، يا صانعة المجد والتاريخ التليد كوني، كما كنت دائمًا رمحًا سامًا في خاصرة المستعمرين المتوحشين وعبيدهم من طغاة أنظمة اليوم، لا تصرخي من وجع وألم اللحظة ومرارتها وعتمتها، دافعي باظافرك، وبما ملكت إيمان أبنائك، وإرادتهم الجبارة، وحاصري وقيدي شمشون من يديه ورجليه مرة أخرى، لا تستكيني لمصابك الأليم والفظيع والدامي، قاومي بكل ما اوتيت من قوة ورباط الخيل مع ابنائك، فكل أبناء فلسطين وأمة العرب وأنصار السلام يقفون خلفك يحرسون انجازاتك وبطولاتك وفرادة عظمتك، لأنك وعدهم ورافعة راياتهم المجيدة، وحاملة آمالهم وطموحاتهم، ولجرحك الدامي، ودمك النازف غد مشرق لا محالة في دنيا العرب كلها، وليس في فلسطين وحدها.
يا قطاع غزة الأبي يا مفجر المعجزات من رفح حتى بيت حانون قنابلهم وصواريخهم وعنصريتهم وفاشيتهم ستتحطم على أبواب مدنك ومخيماتك وقراك، فليدخلوا إلى زواريب شوارعك ان شاءوا، وليمتحنوك مرة أخرى، وسيروا ما لم يروه من قبل، فلا الدمار، ولا قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولا نسف المدارس والمستشفيات والمؤسسات، ولا قطع المياه والكهرباء ومنع الدواء الغداء والمساعدات الإنسانية، ولا العقاب الجماعي ولا حربهم المجنونة ستفت بعضد أبنائك الابطال واصرخ أيها القطاع العظيم باعلى صوتك يا وحدنا، ووحدنا سندافع عن ثرى ارض الإباء والاجداد وكنعان الاول، وثرى الوطن السليب، وكبر مع كل صلاة لله والمقاومة، وكبر قائلاً سنعيد صناعة التاريخ كما نريد، وكيفما نحب ونرضى، لأننا والتاريخ الصاعد إلى مجد السماء والحرية الحمراء صنوان، ولأننا وعد السماء والأرض.
لك أيتها العنقاء المتمردة على العبودية والاستسلام كل الوفاء، وكل الحب، لأنك عنوان ورمز العنفوان، وايقونة الحرية والتحرير. سلامًا عليك يوم بني أول حجر فيك، ويوم تنتصرين على مغول العصر الحديث ومرتزقته، فالرهان عليك وعلى أبنائك عمالقة التاريخ الجديد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها