بقلم: إيهاب الريماوي

يشن المستعمرون اقتحامات واسعة للعديد من المناطق الأثرية في الضفة المحتلة، حيث ارتفعت وتيرتها مع موسم الأعياد اليهودية، فلم تعد تقتصر تأدية الطقوس التلمودية على مناطق محددة، كالحرم الإبراهيمي في الخليل والمسجد الأقصى المبارك في القدس، بل أصبحت تطال عشرات وربما مئات المواقع الأثرية، في مسعى إلى تثبيت أقدامهم فيها عبر محاولة تهويدها.

ويتذرع الاحتلال الإسرائيلي في الأعياد اليهودية، إلى تسهيل اقتحامات المستعمرين للمناطق الفلسطينية المختلفة، ولمقامات إسلامية وأثرية منها: مسجد بلال بن رباح في بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر يوسف في نابلس، والمنطقة الأثرية في بلدة سبسطية، والمسجد الأقصى في القدس، والمقامات الأثرية والإسلامية في بلدة كفل حارس شمال سلفيت، وغيرها.

واشتدت هذه الاقتحامات مع تشكيل حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليمينية المتطرفة، فالذين كانوا يجيَّشون ويوظَّفون لتكريس الاحتلال من الحكومة، أصبحوا يتحكمون في السياسة.

وذكرت وزارة السياحة والآثار مؤخراً، أن سلطات الاحتلال رصدت ما لا يقل عن 150 مليون شيقل لتهويد المواقع الأثرية، خاصة تلك الواقعة في المناطق المصنفة "ج"، و"ب"، في تحدٍّ واضح للقوانين والشرائع الدولية.

ويبلغ عدد المعالم الأثرية الرئيسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، 10 آلاف معلم أثري، أكثر من 60% منها تقع في مناطق "ج"، وجزء منها في مناطق "ب"، فيما يضع الاحتلال ما يزيد على 4 آلاف موقع تحت دائرة الاستهداف.

ويستخدم المستوطنون الحجة الدينية للاستيلاء على المواقع الأثرية، غير أن الغرض الأساسي هو التوسع الاستعماري، وسرقة المزيد من الأراضي، على حساب الوجود الفلسطيني وتعزيز وجود المستعمرين بالضفة، لذلك يمنع الاحتلال الإسرائيلي الامتداد العمراني الفلسطيني في تلك المناطق.

ووفقًا لمدير المواقع الأثرية في وزارة السياحة والأثار ضرغام الفارس: فإن المشروع التهويدي للمواقع الأثرية والاستيلاء عليها، يشكل مقدمة لضم كل الأرض الفلسطينية في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية، في وقت يفرض فيه الاحتلال السيطرة على 90% من المواقع الأثرية.

وأضاف: هذا احتلال إحلالي يوظف المعتقدات الدينية المزورة في المواقع الأثرية الفلسطينية، من أجل تكريس الاستعمار، فهو ينظر إلى المناطق المصنفة "ج" على أنها مناطق إستراتيجية للتوسع الاستعماري.

ويؤكد الفارس، أنه رغم محاولات الاحتلال بأذرعه المختلفة تزوير التاريخ، وأحقيته لهذه المواقع، فإن الأبحاث أثبتت أنه لا وجود لآثار يهودية في المواقع الأثرية، وهذا ما أُثبت مثلاً عام 1908، عندما أجرت جامعة هارفارد الأميركية حفرية في بلدة سبسطية الأثرية شرق نابلس أثبتت أنه لا صلة لليهود بفلسطين، لتحاول إسرائيل بعد احتلالها الضفة الغربية عام 1967 البدء بتهويد البلدة عبر "تزوير" أجزاء من الموقع الأثري، وبناء سلسلة حجرية لتكون واجهة للمدرج الروماني.

ولفت الفارس، إلى أن الوزارة أطلقت حملة خاصة لحماية المواقع الأثرية وتحصينها من أطماع الاحتلال والمستعمرين، من خلال ترميمها وصيانتها، وتشجيع السياحة الداخلية إلى المواقع الأثرية، لتعزيز صمود المواطنين وحماية الموروث الثقافي في الضفة.

ومؤخرًا، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مخطط إسرائيلي لتهويد جبل "عيبال"، بحجة وجود موقع أثري يهودي هناك، في وقت تتواصل فيه محاولات تهويد مناطق كبرك سليمان السياحية جنوب بيت لحم، وموقع "دار الضرب" الأثري في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، ومنطقة "الدلبة" جنوب الخليل، والعديد من المناطق الأخرى المنتشرة بالضفة.

هكذا يسعى الاحتلال إلى تهويد سبسطية

وقال رئيس بلدية سبسطية محمد عازم: إن الاحتلال استغل وجود الآثار في البلدة، وأعد مخططًا للاستيلاء على المواقع الأثرية فيها، ورصد لذلك مبلغ 32 مليون شيقل، إذ يقع 80% منها في المناطق المصنفة "ج".

وأشار، إلى أن مخطط سلطات الاحتلال للاستيلاء على آثار سبسطية يعتبر من أخطر الأدوات لتهويد الأرض وتزوير تاريخها، ولا تكتفي بالتزوير فقط بل تعمل على خلق روايتها وتثبيتها على أرض الواقع.

وأضاف عازم: أن المشروع الاستعماري في سبسطية يدور حول ثلاث مراحل، أولها يتعلق بشق شارع التفافي داخل المنطقة الأثرية، والثاني التنقيب داخل الموقع الأثري، والثالث عزل المنطقة الأثرية المقدرة مساحتها بـ1500 دونم، وفصلها عن البلدة، وإقامة محطة لشرطة الاحتلال، ومكتب للتذاكر، بحيث يجبر من يرغب في الدخول إلى المواقع الأثرية على دفع ثمن تذاكر للجانب الإسرائيلي.

"تهويد" المواقع الأثرية وسيلة للتوسع الاستعماري

ويتفق الباحث في الشأن الاستعماري خالد معالي، مع الفارس، في أن سلطات الاحتلال بالتعاون مع الجمعيات الاستعمارية تعمل على الاستيلاء على الكثير من المواقع الأثرية وتهويدها وربطها بأساطير توراتية، من أجل إقامة البؤر الاستعمارية، وتوسيع المستعمرات.

ولفت، إلى أن الرواية الصهيونية تروجها الجامعات الإسرائيلية، والأخطر من ذلك أن بعض الجامعات تحاول الفرض على الطالب الفلسطيني داخل أراضي الـ48 أخذ مساقات في جامعة مستعمرة "أرئيل" المقامة على أراضي محافظة سلفيت، في مسعى إلى ترويج مزاعم الأحقية التاريخية في المناطق الفلسطينية.

ويؤكد معالي، أن محاولات الاحتلال تزييف المواقع الأثرية الفلسطينية، وزرع الرموز التوراتية، وعمليات الهدم والطمس، وتغيير المعالم، لن تغير الحقيقة التاريخية الفلسطينية بالمنطقة، إضافة إلى أن مؤسسات الآثار الاحتلالية لم تكن في يوم من الأيام موضوعية فيما يتعلق بالآثار الفلسطينية، بل هي أداة تحريض لتزوير هذه المواقع وشطبها مقابل فرض الرواية المزورة.