لا يوجد انسان عاقل ويدرك أهمية ومكانة سلاح الاعلام في كل الازمان، وليس في زمن ثورة الاتصالات والمعلومات فقط، على أهمية الزمن الراهن، ويلجأ عن سابق عمد وإصرار إلى استعداء منبر اعلامي مهما كان مدى تأثيره، وحدود ونطاق انتشاره، بل العكس صحيح، منطق الأشياء استقطاب مطلق اعلامي وليس منبرا بغض النظر عن محتواه مرئي ام مسموع او مكتوب، حيث باتت الثورة الرقمية تلعب دورا مركزيا في تشكل الرأي العام المحلي والعالمي على حد سواء، ولهذا المنطقي العمل تجسير العلاقة مع هذه المؤسسة الإعلامية او تلك، وربط علاقات جيدة ومتميزة ان امكن مع ممثلي المنابر المختلفة.
لكن كما يعلم الجميع، المنابر الاعلامية المختلفة أسيرة اجندة القائمين عليها، والممولين لمكاتبها ومراسليها ومقدمي برامجها، ودافعي اثمان أجهزتها ومعداتها، ولا يوجد منبر اعلامي مستقل وموضوعي بالمعنى الحقيقي للكلمة في تعاطيه مع التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية الأمنية والثقافية والدينية وحتى البيئية. بتعبير آخر، كل منبر مرئي او مسموع او مكتوب، هو رهين الدولة او الشركة او رجل الاعمال المؤسس له، وخياراتهم الفكرية والسياسية والثقافية والدينية. وهنا لا يتعلق الامر بمهنية الفريق الإعلامي المكلف بالعمل، لان المهنية تجير في صياغة الخبر والحدث والعمل وفق قرارات المرجعيات المتحكمة بكل منبر.
كما ان محاكاة وتقييم سياسات منبر من المنابر لا تمس مقدمي البرامج، ولا المراسلين ان وجدوا في هذه الدولة او تلك المدينة الا بمقدار ايغالهم وتورطهم في الإساءة للقوى المستهدفة، واندفاعهم اللامنطقي في قلب الحقائق، وتشويه الواقع، والتحريض على الفتنة واشعال الحرائق هنا او هناك تحقيقا لاجندات الممولين الفكرية والسياسية والأمنية.
واذا توقفنا امام ظاهرة قناة الجزيرة القطرية التي تأسست في مطلع نوفمبر 1996، نلاحظ انها منذ بداية مشوارها الإعلامي انتهجت سياسة إعلامية هادفة وموجهة، وكان من بين اهداف القائمين عليها من رجال اعمال قطريين وقيادات سياسية إسرائيلية صهيونية وغربية أميركية أولا الترويج وتعميم عملية التطبيع المجاني مع دولة الاستعمار الإسرائيلية؛ ثانيا استهداف وحدة الشعوب العربية عموما، وكان نصيب الشعب العربي الفلسطيني محوريا في هذا الهدف؛ ثالثا ساهمت بشكل مباشر في الدفاع عن الانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية، وطعنت في أهلية ومكانة القيادات ورموز الشعب وضخمت أخطاء القيادة الشرعية الفلسطينية، وفي المقابل لمعت وبروزت قادة حركة حماس الانقلابية باعتبارها "عنوانا للمقاومة"، وتجاهلت عن سابق عمد وتصميم تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، ودست السم في العسل؛ رابعا كانت احد أسلحة الولايات المتحدة وإسرائيل في اشعال فتن ما يسمى "الربيع العربي"، وكانت المنبر الداعم والحامل لراية التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، الذي أوكلت اليه اميركا وإسرائيل والغرب الرأسمالي تمزيق وحدة الشعوب والدول العربية، خامسا شوهت الحقائق، وأعلت من شأن الهويات الاثنية والدينية والمذهبية والجهوية المناطقية على حساب الهويات الوطنية والقومية الجامعة؛ سادسا جانبت الموضوعية والأمانة والمهنية في نقل الاخبار، وفبركت وزورت تقارير ومعلومات لا أساس لها في الواقع، او قد يكون لها وجود، لكنها قلبت الاحداث رأسا على عقب بهدف الإساءة لهذا الشعب العربي او ذاك، وكان نصيب فلسطين عاليا في هكذا تقارير.
وهذه ليست المرة الأولى التي اناقش فيها ملف فضائية الجزيرة القطرية، حيث كشفت في اكثر من مقال عن كذبة حرية الرأي والرأي الاخر، وادعاء القائمين عليها، بانها تعمم الديمقراطية، بل العكس صحيح. وللمرة الالف، أؤكد انني كنت وما زلت اطمح وارغب ان تعود إدارة الجزيرة الى جادة الموضوعية والصواب، وتحمل راية الديمقراطية الحقة، وتنشر بموضوعية الأخطاء والعيوب والمثالب الفلسطينية قبل غيرها من الساحات العربية، وبهدف تصويب وتطوير العمل الوطني الفلسطيني، وحماية المشروع والقضية والنظام السياسي والأهداف الوطنية، ورفض خيار الانقلاب الاخواني، والدفاع عن الوحدة الوطنية. لكن شتان ما بين الواقع والتمني.
مرة أخرى، لا يوجد فلسطيني وطني يرغب في استعداء الجزيرة، لا بل العكس يرغب الكل الوطني ان تكون الجزيرة منبرا للسلام والحرية والاستقلال والتنمية، وتعلم إدارة الجزيرة ان قيادة الشعب الفلسطيني لم تناصبها العداء، ولا تريد ذلك، ولكن حملات التحريض والتشويه والتشهير التي تقودها تلك الإدارة فرضت على قيادة الشعب والمدافعين عنها، وانا واحد منهم، التصدي لهذه الحملة.
وهذا التصدي لا ينتقص من مقام العاملين في مكاتب الجزيرة في فلسطين الوطنيين والموضوعيين من وليد العمري الى آخر انسان فيهم باستثناء أدوات حركة حماس الانقلابية، وحتى من مقدمي البرامج في الدوحة القوميين، الذين كانوا وما زالوا محل تقدير وتبجيل واحترام ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمد كريشان وغيره من النساء والرجال. كما ان ايقونة الاعلام الفلسطيني والعربي شهيدة الكلمة الحرة والصادقة شيرين أبو عاقلة، كانت وما زالت وستبقى رمزا للكلمة الحرة والصادقة، ولا انسى في هذا المقام الإعلامية الشجاعة نور عودة، التي دفعت ثمنا كبيرا لمواقفها الشجاعة، فقدمت استقالتها من القناة احتجاجا على سياسات القناة اللاموضوعية والبعيدة كل البعد عن الحيادية.
الموقف من قناة الجزيزة ليس موقفا شخصيا من هذا المسؤول او ذاك، لاني لا اعرفهم، ولم ارتبط باي علاقة معهم، وانما الموقف من السياسات اللامسؤولة والبعيدة كل البعد عن الحيادية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها