انطلقت في مدينة رام الله، اليوم الخميس، أعمال مؤتمر النيابة العامة السنوي الحادي عشر تحت عنوان "التعاون الدولي ودوره في تعزيز سيادة القانون -الواقع والمأمول-"، برعاية السيد الرئيس محمود عباس.
ويناقش المؤتمر في جلساته، التي تستمر أعماله حتى الثامن من الشهر الجاري، التعاون الوطني والدولي في مكافحة الجرائم الدولية، ونظم العدالة الجنائية وتحديات التعاون الدولي، وتحقيقات الجرائم الالكترونية، وفعاليات تبادل المعلومات، والجرائم المرتكبة ضد الأطفال.
وانطلق المؤتمر بحضور رئيس الوزراء د. محمد اشتية، ممثلا عن الرئيس محمود عباس، ورئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار عيسى أبو شرار، والنائب العام أكرم الخطيب، ومدير الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي كو ليلمو جوردانو، ورئيس وكالة اليوروجست لاديسلاف همران، ووفود من دول عربية ودولية وخبراء محليين ودوليين متخصصين في كافة المجالات المطروحة، ووزراء وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة "فتح".
وفي كلمته، قال د. اشتية: "إن القيادة تنظر عاليا للجهود الكبيرة التي تبذلها النيابة العامة، خاصة في دورها الهام الذي تلعبه في تمثيل المجتمع والدفاع عن المصلحة العامة، وهي الخصم الشريف التي تعمل بكل ما في وسعها من أجل تطبيق القانون، وتعزيز سيادته، كما أنها ركن مهم من أركان العدالة، والدفاع عن الحريات العامة".
وأضاف: "تطبيق القانون على الجميع بكل دقة وعناية هو منهجنا العام، وعندما يتبع ذلك تطبيق عملي وأداء جيد فنحن بخير، كما أن تطبيق سيادة القانون على الجميع يعزز مصداقة النظام السياسي، ويعطي هيبة ويعمق الإيمان، ويعزز الصمود ويضبط العلاقة بين أفراد المجتمع، وبين الأفراد والمؤسسة الخاصة والرسمية والأمنية".
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تسعى إلى بناء نظام مستند للقانون، وخلق منظومة عدالة مرتبطة بمنظومة قيم واخلاقية ومجتمعية مستند للواقع الشعب الفلسطيني كشعب تحت الاحتلال الذي يناضل من أجل حقه في الحرية وتقرير مصيره، وتجسد الدولة على أرضه، وعاصمتها القدس.
ولفت د. اشتية، إلى أن واقع الشرذمة الذي يعيشه شعبنا جغرافيا وسياسيا ينعكس على إمكانية تطبيق القانون في القدس وقطاع غزة ومناطق "ج" في الضفة الغربية، والذي يشكل تحديا كبيرا أمام هيئات العدالة الفلسطينية.
وتابع رئيس الوزراء: "العالم يعمل مدفوعا بمنطق القوة، وليس القانون، وهناك ازدواجية بالمعايير الدولية في فرض العقوبات هنا وهناك. ألا يروا ما تقوم به إسرائيل من جرائم في جنين وغزة والخليل وكل الأراضي الفلسطينية، فالمطلوب من المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب التاريخ، وعدالة التاريخ، ومن يقف على الحياد يقف إلى جانب الظالم".
وأوضح د. اشتية:" في العدوان على جنين سمعنا أصواتا تقول إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، فكيف تدافع وهي دولة الاحتلال والمعتدية، واجتاحت مخيما مزدحما مساحته أقل من كيلومتر، وفيه 13 ألف مواطن، والذي له الحق في الدفاع عن النفس هو الفلسطيني ضد الإسرائيلي المعتدي، والشعوب المظلومة إما أن تتحول إلى بكائية تندب حظها، أو تحول الظلم الواقع عليها لقوة دفع للمواجهة".
وشدد رئيس الوزراء على أن العدالة تجعل الديمقراطية ممكنة، ولكن الظلم يجعل الديمقراطية ضرورة، فيما تعطي الناس حقها، وهذا ليست تنازلا من أجل احترام الناس، والذي لا يحتاج إلى تمويل من الدول المانحة، إضافة إلى أن الفقر في المجتمع الفلسطيني ليس فقط من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، بل أيضاً شأن من شؤون العدالة الإنسانية.
وأكد، أن الحكومة تبنت أجندات إصلاح يأتي في صلبها الحفاظ على الأمن، والنظام العام، وتكريس سيادة القانون، ومكافحة الجريمة، ومكافحة الفساد، وحماية السلم الأهلي، وهذا كله يحتاج إلى تطوير منظومة العدالة الذي يعمل عليه مع جميع جهات الاختصاص.
ولفت د. اشتية، إلى أنه رغم الأزمة المالية إلا أن ذلك لن يمنع في المضي ببرنامج الإصلاح الذي تبنته الحكومة، خاصة أن تطوير المنظومة الأمنية والقضائية هو أولية، وأن خلق بيئة اجتماعية سليمة عمادها سيادة القانون والوصول لانتخابات التي عطلتها إسرائيل بمنع إجرائها في القدس.
وقال رئيس الوزراء: "إن هناك بطئا متعمدا في إجراءات القضاء الدولي، آملاً أن يتم تجاوز ذلك بتسريع الإجراءات في المحكمة الجنائية الدولية، مثنيا أيضا على دور النيابة العامة في توثيق جرائم الاحتلال لجعلها مادة قانونية ترفع أمام المحكمة الجنائية الدولية".
من جانبه قال الخطيب: "إن النيابة العامة تؤمن بأن تطوير أي دولة يستند في أساسه على إقامة العدل، فيما أن النيابة تسع بشكل دؤوب على تحقيق رؤيته المتمثلة بوجود مجتمع فلسطيني يسوده العدل والقانون، ومبدأ الفصل بين السلطات، وتحترم فيه الحقوق وتصان فيه الحريات".
وتابع: "لدى النيابة العامة اهتمام بمواكبة التطورات، وتسعى بشكل مستمر لتطوير القدرات، والإمكانيات، من خلال حشد الخبرات، وحرصا لذلك تعقد مؤتمرا سنويا لما فيه من أهمية في تبادل التجارب، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات العامة من أجل مكافحة الجريمة، كما أن دولة فلسطين كما في كل الدول تسعى لحماية نظامها القانوني من خلال ملاحقة الجرائم ومرتكبيها، وأيضا تعزيز التعاون الدولي بشقيه الرسمي وغير الرسمي، وتطبيق المعايير الدولية، والالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية".
وأردف الخطيب: "سيادة القانون الدولي لا تقل أهمية عن سيادة القانون في التشريعات الوطنية للدول، اذ يتوجب للقانون الدولي -وسائله وأدواته- تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات الواقعة عليه، وليس غريبا على أحد مجموع الجرائم الدولية المرتكبة التي ما زالت ترتكب بحق شعبنا، وسلكنا الطرق القانونية لملاحقة الاحتلال على جرائمه وذلك من خلال اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية عبر انضمام فلسطين في عام 2015 كدولة طرف في نظام روما الأساسي".
وتابع: "سلمت العديد من الملفات لمكتب المدعي بشأن الجرائم الدولية المرتكبة من قبل الاحتلال والمستوطنين، وبعد دراسة طويلة من المدعي العام تم إعلان انطباق معايير القوانيين الخاصة بميثاق روما على الحالة الفلسطينية، وفي 2021 قررت الدائرة التمهيدية امتداد الاختصاص الإقليمي للمحكمة على الأراض المحتلة عام 1967، تحديدا الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وعلى ضوء ذلك أعلنت المدعي العامة السابقة مباشرة التحقيق في الجرائم الواقع ضمن امتداد اختصاصها دون نتيجة تذكر حتى الان وبما يشير لاختلاف المعايير لسيادة القانون الدولية وفقا لهوية الضحايا".
وشدد على أن النيابة العامة تكرس جهدها من أجل جمع وتوثيق وتقصي الجرائم، وبناء ملفات قانونية لضمان ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الاسرائيليين أمام القضاء الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية، في ظل أن الاحتلال يرتكب جرائمه دون اكتراث من الملاحقة، بل يتمادى في جرائمه.
وأشار الخطيب، إلى أن دولة فلسطين أدخلت تعديلات في نصوص قوانينها بما يتوافق مع التزاماتها الدولية، حيث عملت على تطويع نصوصها الوطنية بما يتواءم مع الاتفاقيات الدولية.
من ناحيته، قال أبو شرار: "الأمر الواقع الذي تخلقه السلطة القائمة بالاحتلال على أرضنا، وتصاعد جرائم الحرب بحق المدنيين، وتفشي إرهاب المستوطنين، يجعلنا أحوج ما نكون للتعاون الدولي من أجل تعزيز سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب، وفي ذلك تعزيز لصمود الفلسطيني على أرضه".
وأشار إلى أهمية الآليات التقليدية للتعاون الدولي، مثل آلية تسليم المجرمين، وتصديق الأحكام القضائية الأجنبية، مشيرا إلى أن الواقع الذي نعيشه اليوم، وتطور الجريمة واستغلالَها لأدواتِ الاتصال الحديثة، يجعل فلسطين أمام تحديات جديدة لمكافحة الأنواع المستجدّة من الجرائم الخطيرة، وتقليل آثارها السلبية على مجتمعاتنا ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب.
وتابع أبو شرار: "تحديات زمن العولمة، تفرض علينا مدّ جسور التعاون مع العالم، خصوصا مع أشقائنا العرب، وشركائنا وأصدقائنا الأوروبيين، والاستفادة من خبراتهم، كما ويُحتم علينا تحديث تشريعاتنا لتواكب التطورات المتسارعة من حولنا وانعكاساتها على مجتمعنا. ومن هنا يكتسب مؤتمرنا أهمية خاصة".
ولفت إلى أن، السلطة القضائية تواجه تحديات مركبة، أبرزها تلك التي يفرضها الاحتلال أمام فرض سيادة القانون وحرية التنقل، إضافة إلى توفيره بشكل مباشر أو غير مباشر حماية للفارين من العدالة في الأماكن الخاضعة لسيطرته، وتحديات أخرى كثيرة.
وقال مدير الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي كوليمو جوردانو، قال إن جزء من التعاون الثنائي بين إيطاليا وفلسطين يركز على قطاع العدالة وحقوق الإنسان، وضمان سيادة القانون، وحماية حقوق الفلسطينيين، خاصة الأطفال والأحداث.
وأضاف: "التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الالكترونية وحماية النساء أحد أهم الأسس لدينا، ومواجهة التحديات التي تهدد عملها، واحترام القوانين الدولية والمعاهدات الدولية يجب أن يكون ملزما للجميع من أجل تثبيت حقوق الإنسان، والمؤتمر اليوم فرص لتبادل الخبرات وتحديد التحديات المشتركة وإيجاد الحلول، والتعاون الدولي أساس المعاهدات الدولية".
وشدد رئيس وكالة اليوروجست لاديسلاف هامران على أهمية تعزيز التعاون الدولي من أجل مكافحة الجرائم المنظمة، والتي أصبح مكافحتها أكثر تعقيداً في ظل التطور التكنولوجي.
وأكد أهمية التعاون الدولي القضائي، واحترام القوانين والمواثيق الدولية، كما عبر عن حرصه في تعميق الشراكة والتعاون مع دولة فلسطين.
وفي نهاية الجلسة الافتتاحية، وقعت مذكرة تفاهم مع النيابة العامة البولندية، وهي المذكرة الـ22 التي توقعها مع تلك الجهات، وذلك في إطار سعي النيابة العامة الفلسطينية في تعزيز التعاون الدولي مع جهات الادعاء العام في العديد من الدول.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها