أشاعت منابر ومراسلو وسائل إعلام إسرائيلية يوم السبت أول أمس الموافق الأول من تموز / يوليو خبرا مفاده أن "إسرائيل تبحث اتخاذ خطوات لإنقاذ السلطة الفلسطينية من الإفلاس". 

ليس هذا فحسب، بل أن دولة الاستعمار اللقيطة، وناهبة الأرض والإنسان الفلسطيني من أبسط حقوقه السياسية والقانونية والحياتية "تبحث سبل تعزيز السلطة وأجهزتها الأمنية". وفق قناة "كان" الإسرائيلية. 

ولتعطي "كان" وغيرها من المنابر الصحفية مصداقية لخبرها المفبرك، إدعت، أنها تنقل خبر تداول المسؤولين الفلسطينيين، لم تسمهم، أنهم تلقوا إشارات من عدة مصادر تفيد أن إسرائيل تبحث لإنقاذ السلطة.

وأضافت: أن السلطة أجرت مؤخرًا سلسلة من المناقشات حول إمكانية إعلان إفلاسها المالي بسبب الوضع المالي الصعب الذي تشهده. وتعميقًا للرواية الكاذبة تقول صحيفة "جيروزاليم بوست"، أن إسرائيل أعلنت أكثر من مرة "أنها لا ترغب في إنهيار السلطة الفلسطينية".

وكرر الموقف مراسل صحيفة "يديعوت احرونوت" اليؤور ليفي على "تويتير" وغيره من الإعلاميين الإسرائيليين. ولا أريد أن أناقش ما تضمنه الخبر الإسرائيلي بشأن ما ذكره نتنياهو عن استعداد إسرائيل لليوم الثاني بعد رحيل سيادة الرئيس محمود عباس.

وفي قراءة الخلفيات الإسرائيلية لإشاعة وتعميم الخبر المزور، تريد حكومة نتنياهو السادسة، أولاً أن تخلط الأمور بشأن واقع السلطة الفلسطينية لإضفاء طابع من الغموض والضبابية حول مستقبلها؛ ثانيًا التغطية على جريمة تصفيتها للكيانية الفلسطينية. لا سيما وانها تعمل بخطى حثيثة لقطع الطريق على القيادة الفلسطينية في بلوغ هدف استقلال الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران 1967؛ ثالثًا ولاتاحة الفرصة أمام أدواتها الفلسطينية المأجورة من الانقضاض على الكانتونات المأهولة بالسكان الفلسطينيين لحين استكمال مخطط الترانسفير والتطهير العرقي؛ رابعًا لإشاعة مناخ الفوضى الخلاقة في محافظات الضفة عمومًا والقدس العاصمة خصوصًا، لتسهيل وتعزيز الخطوات الإسرائيلية لتعميق خيار الاستيطان الاستعماري بهدف التمهيد لإقامة "دولة إسرائيل الكاملة" على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. 

ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي لم تناقش أبدًا مسألة ما يسمونه "الإفلاس". لأنه لا وجود لأي عامل من عوامل الإفلاس. رغم كل جرائم القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة ونهب الأراضي، وحرمان الشعب من استغلال المساحة الأكبر من أراضيه، وحتى الدول الفاشلة ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، التي تعاني من تضخم غير مسبوق في واقعها، لم تعلن الإفلاس، وتستطيع التعايش مع الأزمة، ومواصلة البقاء. ورغم اني لست خبيرًا في الجانب المالي الاقتصادي، فإن عدم وجود عملة وطنية فلسطينية حتى الآن، يعتبر ميزة إيجابية لصالح قوة الحالة الاقتصادية الفلسطينية، لتسلحها بقوة العملات الأخرى الدولار الأميركي والشيقل الإسرائيلي والدينار الأردني، سلة العملات المتداولة والمعتمدة في السوق المحلي. 

فضلاً عما صرح به وزير الاقتصاد الفلسطيني، خالد العسيلي أمس الأحد الثاني من تموز الحالي لقناة "المشهد"، وأكد في تصريحه "عمليًا إنهيار السلطة غير وارد على الإطلاق" وتابع القول "معدل الدخل الوطني في فلسطين 16 مليار دولار أميركي، ولدينا ودائع في البنوك 17 مليار دولار، و19 بنكًا يعملون بشكل حر وإيجابي. وسلطة نقد (بمثابة البنك المركزي) ذات مصداقية مهنية عالية، وأيضًا لدينا حرية تحويل الأموال بسهولة". وبالتالي الحديث عن الإفلاس لعبة مفضوحة للغايات المذكورة أنفًا. 

مع ذلك، اذا كانت القيادة الإسرائيلية "حريصة" على السلطة الوطنية، وتخشى من افلاسها، فطريق حمايتها سهل وبسيط، ويتمثل في أولاً الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والالتزام بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثانيًا وقف الاستيطان الاستعماري بشكل كامل وجذري، والسماح للسلطة الوطنية باستغلال أراضيها في المناطق B وC؛ ثالثًا السماح لها بالسيطرة الكاملة على الحدود والمعابر والمياه الإقليمية وتحت باطن الأرض وحماية ثرواتها الطبيعية؛ رابعًا الشروع بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية كأحد المخرجات الطبيعية لمؤتمر دولي يعقد فورًا ووفق روزنامة زمنية لا تتجاوز العام الواحد، وإخلاء كافة المستعمرات والمراعي ومعسكرات الجيش بحيث تتمكن السلطة من فرض سيطرتها وسيادتها على أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. عندئذ لا خشية على السلطة، ولا على اليوم التالي لرحيل سيادة الرئيس محمود عباس، أطال الله في عمره، ولا على إفلاس الدولة الفلسطينية.

ولكن حكومة الترويكا والغالبية العظمى من الأحزاب الصهيونية من الموالاة والمعارضة يرفضون من حيث المبدأ خيار السلام، ويسعون للتأصيل لمحرقة جديدة ضد الشعب العربي الفلسطيني.