الغطرسة والغرور متى حكمت أي مستوى قيادي عسكري أم سياسي أو اجتماعي ستؤدي لنتائج سلبية. لأن من يرتكز عليها يقع فريسة مجموعة عوامل، أولاً الاستهتار بمحاكاة الآخر؛ ثانيًا إفتقاد الموضوعية المسؤولية، وتغليب عنصر الثقة الزائدة بالذات على حساب الآخر؛ ثالثًا تجاهل بعض العوامل الفنية اللوجستية في تقدير أي موقف؛ رابعًا استصغار شأن وإمكانية تطور قوة الآخر وافتراض السكون والثبات في نمطية التعامل والعلاقة معه؛ اعتماد آليات ومنهجية عمل استاتيكية ونمطية. هذه العوامل مجتمعة ومنفردة تؤدي إلى تقديرات خاطئة، وتكشف عن عجز وإفلاس قيادي في اليات التعامل مع هذا العمل او ذاك الموقف. 

جرائم الحرب الإسرائيلية المختلفة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف التجمعات والمحافظات والمدن والقرى والمخيمات، وإسوة بكل استعمار ترتكز على لغة القوة والمنطق السوبرماني الوهمي، وإستضعاف قدرات الرد والمواجهة من قبل أبناء الشعب العربي الفلسطيني عمومًا ومجموعاته الفدائية المنظمة او المنفردة، وهذا ما تلمسه أي مراقب سياسي أو عسكري في معركة المواجهة في جنين ومخيمها البطل يوم الاثنين الموافق 19 حزيران الحالي، حيث كشفت جريمة الحرب من البداية مع إرسال قوة المستعربين والاجتياح بالقوات المجوقلة الداعمة للقوة المنكشفة من قبل المجموعات الفدائية عن أولاً سقوط مريع للمخططين والقائمين على تنفيذ الجريمة، لاعتمادها التكتيك العسكري ذاته إن كان في كيفية ارسال وحدة المستعربين، التي باتت معروفة لدى حماة المدن والمخيمات؛ وأيضًا في اللجوء لذات الطرق، حتى اصبح الطفل الفلسطيني الصغير يعي من أين، ومتى سيدخلون، والكيفية التي سيتعاملون بها؛ ثانيًا افتقاد القيادة العسكرية الإسرائيلية للمعلومات الأمنية الدقيقة والصحيحة عن الوضع في مخيم جنين البطل؛ ثالثًا تجاهل القدرات الفدائية، وإمكانيات التطوير لآليات المواجهة، والاستخفاف بكفاءة الارتقاء بأدوات ومعدات المواجهة؛ رابعًا انفلاش القوات الإسرائيلية، وغياب السيطرة على القوات والمكان مع وقوع الآليات العسكرية الإسرائيلية في الكمائن المعدة لها، وبعد تفجير العبوات الناسفة المختارة بعناية من قبل أبطال المخيم؛ خامسًا اللجوء لحماية الذات المعطلة والمحاصرة باطلاق الرصاص والقنابل واستخدام الطيران لأول مرة منذ عقدين خلت بشكل همجي وفي كل الاتجاهات، الذي نجم عن الرعب. مما أدى لسقوط تسعة إصابات بالإضافة لكلبهم، وتعطيل سبعة عربات عسكرية. 

والأهم مما تقدم، حكمة وشجاعة الفدائيين في المواجهة؛ التخطيط العلمي المتقدم من حيث كشف القوة المستعربة؛ ومن ثم الاستعداد المبدع لمواجهة قوات الدعم الإسرائيلية؛ مما منح القوة الفدائية السيطرة النسبية على الميدان، رغم اختلال موازين القوى، الذي نجم عنه وقوع خمسة شهداء و91 إصابة خلال الساعات العشر للحرب الدائرة، وبالقراءة العلمية والموضوعية لشروط المكان والزمان وعديد القوات والأسلحة في المواجهة بين الفدائيين ومجرمي الحرب الإسرائيليين، فإن التقييم والتقدير الأولي لنتائج المعركة يشير بشكل واضح إلى ضحالة وافلاس النظرية العسكرية الإسرائيلية في المعركة، وبالمقابل ارتقاء قدرات المجموعات الفدائية في المواجهة، وهو ما سيعاظم من تجربة المجموعات المنتشرة في المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية الأخرى. لأنها شكلت درسًا مهما للفدائي الفلسطيني.

ودائمًا ما يتجاهل قادة العدو العسكريين والسياسيين الحاضنة الشعبية الدافئة للمجموعات الفدائية، التي تقدم كل أشكال الدعم لها، بعكس تعاملها مع القوات المستعربة والمقتحمة لهذه المدينة أو ذاك المخيم باعتبارها قوة قتل وجريمة منظمة وتستهدف حياة المواطنين جميعًا دون استثناء، وهذا أحد العوامل الهامة في المواجهات والذي يصب في مصلحة المجموعات الفدائية.

كما أن القيادات العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية تتجاهل، وتغيب عن سابق تصميم وإصرار تنامي حالة السخط والغضب الشعبي الفلسطيني من جرائم الحرب دون أية أسباب، إلا سبب تكريس الاستعمار الإجلائي الاحلالي، وفرض الاملاءات الإسرائيلية على الشارع العربي الفلسطيني، والسعي لكي وعيهم بالحديد والنار والإرهاب والجريمة المنظمة، الأمر الذي اسقط من حساب الشعب وجود أي بقعة ضوء أو أمل في إمكانية بناء جسر ما للسلام، وارتفاع نسبة التصميم على حماية الذات، والدفاع عن الثوابت والاهداف الوطنية بكل الوسائل. لا سيما وأن الولايات المتحدة والغرب الأوروبي يرفضون حتى الآن السماح لقوات الأمم المتحدة لتأمين الحماية الدولية لهم، فضلاً عن تساوقهم مع القيادات الإسرائيلية في مشروعهم الاستيطاني الاستعماري على حساب السلام الممكن والمقبول وفق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. 

بالنتيجة عكست جريمة الحرب الإسرائيلية يوم الاثنين الماضي على محافظة جنين ومخيمها المفولذ افلاسًا أمنيًا وعسكريًا وضعف في الروح المعنوية، والإرباك والتعثر، بعكس ما تميز به الفدائي الفلسطيني البطل، الذي طور قدراته وإمكانياته.