تعيش المنطقة العربية أولى موجاتها الحارة هذا العام، حيث ارتفعت درجات الحرارة عن معدلاتها المعتادة 4 أو 5 درجات مئوية في بعض الدول، لكن السؤال الأهم في هذا السياق هو: هل ما نتعرض له حاليًا متعلق بتغير المناخ؟
ما الموجة الحارة؟
تعرّف الموجة الحارة (Heat Wave) بأنها ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة عن معدلاتها بفارق كبير في مكان ما، وبذلك فإنها لا تشير إلى درجة حرارة محددة، وإنما إلى ارتفاع عن المتوسط المعتاد.
على سبيل المثال، قد تكون المعدلات بالنسبة لدولة ما هي 30 درجة مئوية في مايو/أيار، ثم تصبح فجأة 36 درجة، وهذا يقابل معايير الموجة الحارة، بينما يمكن أن تكون المعدلات الطبيعية في دولة أخرى هي 36 درجة مئوية بشكل طبيعي، فلا تحسب تلك موجة حارة.
تظهر المشكلات الصحية المتعلقة بالموجات الحارة عادةً عند ارتفاع درجات الرطوبة بالتبعية في فترات الموجات الحارة، فكلما ارتفعت الرطوبة كانت درجات الحرارة أكثر تأثيرا، إذ يشعر الإنسان بحرارة أكبر من تلك التي ترصدها نشرات الأخبار.
وفي أثناء الموجات الحارة، يمكن للإنسان أن يتعرض لما يسمى "الإجهاد الحراري"، وهو عدم قدرة الجسم على التكيّف مع الحرارة الشديدة بسبب تعرضه لها لفترات طويلة، مما يتسبب في مشكلات صحية قد تكون خطيرة، تبدأ بأعراض العطش والجفاف وقد تصل إلى صدمة حرارية تؤدي إلى الموت في بعض الأحيان.
دور تغير المناخ
فيما يتعلق بالموجات الحارة التي تشهدها المنطقة العربية حاليًا، فإنها ترتبط بشكل رئيسي بما يسمى "منخفض الهند الموسمي" الذي يؤثر على آسيا وأفريقيا وأوروبا. يبدأ هذا المنخفض في التشكل بالهند في أبريل/نيسان من كل عام، ويرتفع تأثيره خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ويمتد أثره إلى شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وتركيا ومصر، ويضعف بداية من سبتمبر/أيلول، قبل أن يتلاشى تماما في أكتوبر/تشرين الأول.
ولذلك تكون المنطقة على موعد سنوي مع موجات حارة تبدأ بين مايو/أيار ويونيو/حزيران، حتى أن العرب قديما أطلقوا على تلك الفترات من الحرارة الشديدة اسم "الوغرات"، وقد نسبت 6 وغرات في السنة إلى 6 مواسم، وهي الثريا والدبران والجوزاء والشعرى والعذرة وسهيل، وتمثل تلك المواسم في الفترة بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب.
لكن على الرغم من الأسباب الطبيعية والتقليدية للموجات الحارة، فإن التغير المناخي يؤثر فيها بقوة، إذ تؤكد الأعمال البحثية ارتفاع متوسطات درجات الحرارة عالميا بمعدلات الحالات المناخية الشاذة، ومنها الموجات الشديدة الحرارة. وفي الولايات المتحدة مثلا، ارتفع معدل الموجات الحارة في بعض المناطق من 2 سنويا في الستينيات من القرن الفائت، إلى 6 درجات سنويا خلال الفترة بين عامي 2010 و2020.
وإلى جانب ذلك، فإن الاحترار العالمي يرفع من شدة الحرارة أثناء تلك الموجات، فتصل بعض المناطق إلى درجات لم تشهدها من قبل عاما بعد عام، ويزيد كذلك طول كل موجه حارة منها، فبدلًا من أن تستمر الموجة الحارة أياما أو أسابيع، فإنها قد تستمر شهورا في بعض الأحيان.
بل إنه -بحسب دراسة من معهد ماكس بلانك لكيمياء الغلاف الجوي- بحلول منتصف إلى نهاية القرن الحالي، قد لا تنخفض درجة الحرارة الصغرى في منطقتنا العربية في ليالي الصيف عن 30 مئوية، وستكون درجة 50 مئوية رقما طبيعيا نشهده معظم الصيف.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها