القى الرئيس جو بايدن أول أمس الثلاثاء الموافق 7 فبراير الحالي خطاب حالة الامة امام مجلسي النواب والشيوخ، وهو الخطاب الأول له بعد تسيد الجمهوريين على مجلس النواب في الانتخابات النصفية مطلع نوفمبر 2022، الذين حرص على مخاطبتهم بود، رغم الغمز من قناتهم في أزمة الدين العام للدولة والعلاقة مع منطاد الصين. جالَ الرئيس الاميركي فيه على عدد من الملفات الداخلية والخارجية خلال زمن يزيد عن الساعة قليلاً. ومن قرأ أبرز ما حمله خطاب صانع القرار في البيت الابيض، ودقق فيما تضمنه من معطيات ووقائع، خلص لاستنتاج سلبي لأكثر من سبب، أولاً حاول الالتفاف على أزمات الولايات المتحدة المتعددة، وسعى لتبييض صفحة ادارته؛ ثانيًا قلب الحقائق في اكثر من مفصل داخلي وخارجي؛ ثالثًا لم يتعرض في خطابه للصراع الفلسطيني الإسرائيلي نهائيًا، وقفز عن ملفات الشرق الأوسط عمومًا.

وفي رسالته الموجهة لأوكرانيا والحرب الدائرة هناك، أكد وقوف بلاده إلى جانب نظام زيلنسكي، وقال موجهًا خطابه للسفيرة الأوكرانية، أوكسانا ماركاروفا، التي كانت موجودة "سنقف إلى جانبكم مهما إستغرق الأمر". وتابع "أمتنا تعمل من أجل المزيد من الحريات والكرامة والسلام (...) ليس فقط في أوروبا بل في كل مكان". وهنا جانب الحقيقة، وتنكر لها على أكثر من مستوى، فهو لا يدافع عن الشعب والنظام الأوكراني، إنما يدافع عن مصالح أميركا، ومكانتها الدولية وعلى حسابهم. ولم يدفع عشرات المليارات من الدولارات لسواد عيون زيلنسكي ونظامه، وإنما دفاعًا عن الذات الأميركية أولاً وثانيًا .. وعاشرًا، أضف إلى أنه يخوض حربه العالمية على روسيا الاتحادية بالوكالة من خلال الزج بالشعب الاوكراني، الضحية الأولى، والتي دفعت، ومازالت تدفع الثمن غاليًا. 

 

كما أنه تجنى على الواقع، عندما إدعى أنه يدافع عن الحريات والكرامة والسلام، لأن الوقائع المثالة للمراقب تشي بشكل عميق وجلي، أن بلاده تسبيح حريات وكرامات وسلام الشعوب، وتعمل على توريط الشعب الاوكراني في حرب لا ناقة ولا جمل له فيها، وزجت ادارته دول أوروبا الغربية والشرقية في حرب تقاسم النفوذ الجديدة لخدمة مصالح الولايات المتحدة الحيوية، وضغط عليها للمساهمة بدفع الجزية لأوكرانيا، والزمها بشراء النفط الأميركي بأسعار أعلى من النفط الروسي، مما أغضب العديد من الدول المركزية الغربية وخاصة ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول، التي عبرت في مواقف علنية عن استياءها من السياسة الأميركية. 

 

وفي ملف الصراع الأميركي الصيني، رغم أنه خاطب جمهورية الصين الشعبية بطريقة ناعمة، عندما قال: "إن واشنطن لا تسعى إلى نزاع مع بكين، وأضاف: " لاتسيئوا فهمنا: كما أظهرنا بوضوح الأسبوع الماضي، إذا هددت الصين سيادتنا، فسنعمل على حماية بلادنا، وفعلنا ذلك"، وهو يقصد اسقاط المنطاد الصيني. وبدأ رسالته للقيادة الصينية، إن الولايات المتحدة لن تسمح للصين بترهيبها، لكن الحقيقة تقول، إن مواقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري والدولة العميقة تعمل على تأجيج الصراع مع التنين الصيني، ولعل جملة القيود التي فرضتها الإدارات الأميركية المتعاقبة وخاصة إدارتي ترامب وبايدن تعكس الحقيقة، فضلاً عن التنافس بين الحزبين على دفع الأمور نحو مزيد من تأزيم العلاقات الصينية الأميركية. ومما جاء في خطابه ردًا على الجمهوريين، الذين اعتبروا موقفه من المنطاد الصيني دليل ضعف، لأنه انتظر طويلاً، فقال إن الولايات المتحدة اليوم "في أقوى موقع منذ عقود للمنافسة مع الصين، أو أي طرف آخر في العالم". والحقيقة تقول عكس ذلك تمامًا، فواشنطن واقعيًا تعيش لحظة ضعف وتراجع على أكثر من مستوى وصعيد. وأكد ذلك في خطابه بشكل مباشر وغير مباشر، عندما قال: "أوضحت للرئيس شي جين بينغ أننا نسعى إلى المنافسة، وليس إلى الصراع واعترف بتفوق الصين إلى معركة تصنيع أشباه المواصلات، حيث فقدت اميركا مكانتها المهيمنة لصالح الصين. 

 

وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد ساكن البيت الأبيض، أن الاقتصاد الأميركي في وضع أفضل "من أي بلد آخر على وجه الأرض". في تحقيق النمو، على الرغم من التحديات التي فرضها وباء كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا. ورد في ذات النقطة على نفسه وادعائه، حينما اتهم شركات النفط الكبرى باستغلال أزمة موارد الطاقة الأخيرة لتحقيق الأرباح، مطالبًا بفرض زيادة ضريبية كبيرة على عمليات إعادة شراء أسهم الشركات لتوجيهها للاستثمار أكثر في الإنتاج. ليس هذا فحسب، بل إنه اتهم المعارضة بالسعي إلى "اخذ الاقتصاد رهينة" في مواجهة تهديدات برلمانيين بعدم التصويت لصالح رفع سقف الدين العام، الذي تطالب إدارته برفعه إلى 31,4 تريليون دولار أميركي، وذلك لتجنب التخلف عن سداد الديون المستحقة. 

 

فهل يعقل أن يكون الاقتصاد الأميركي الأفضل عالميًا، وهو الأعلى مديونية في العالم، ومكانة الدولار تتراجع أمام سلة العملات العالمية، ومع شروع العديد من الدول للتخلي عن التعامل به كمعادل للتبادل التجاري؟ أعتقد أن بايدن هرب من مواجهة الحقيقة المرة، ولجأ لسياسة الالتفاف على الحقائق الصعبة للاقتصاد الأميركي. 

 

وفي ملف الديمقراطية الداخلية، وإدعائه أنها الأقوى، والراسخة، للأسف ما شهدته الديمقراطية من 6 يناير 2020 عندما اقتحم العنصريون الافنجليكان، انصار ترامب لمبنى الكونغرس، وقتل الشرطة للسود دون سبب إلا سبب العنصرية المتفشية في بلاد العم سام، آخرها العملية التي جرت في يناير الماضي (2023) عندما قتلت الشرطة شابًا أسود بلا سبب تكشف سقوط ما ذكره الرئيس الأميركي، وهناك مئات وآلاف الشواهد في كافة الولايات التي تؤكد تراجع الديمقراطية بشكل مريع. 

بالنتيجة الماثلة أمامنا، فإن بايدن انقلب على الحقائق، وفشل في ذكر حقيقة واحدة صحيحة. لأن كل الملفات التي تعرض لها هرب للأمام، وغادر المصداقية، وهذا ليس مستغرباً على القيادات الأميركية المختلفة وخاصة إدارة بايدن الضعيفة والمهزوزة.