يحاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس، غير أن هذا الجيش بعقلية قادته العنصرية، لا يعرف، ولا نظنه سيعرف أن نابلس ليست مجرد مدينة، يمكن لحصار أن يركعها، ولأن المحتلين لا يقرأون في التاريخ، فهم لا يعرفون أن نابلس إنما هي حاضرة، من حواضر تاريخ البطولات الفلسطينية، منذ أن أحرق أهلها خيام جيش نابليون بونابرت، الذي حاصرها زمن حملته على فلسطين سنة 1799 ميلادية، فاندحر هناك على أبوابها،  لتجهز أسوار عكا فيما بعد على حملته، وتهزمه شر هزيمة.

أجل كانت نابلس هي من شق أولاً دروب الهزيمة لنابليون، وقد أسماها التاريخ منذ ذلك اليوم، بواقعة شجاعة أهلها، وحنكتهم، ووطنيتهم البليغة، أسماها جبل النار .

على الاحتلال أن يصحو من أوهامه، فجيشه مهما بلغت عدته، وأيًا كان عتاده، لن يكون مصيره بأفضل من مصير جيش نابليون، فلن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولاً، وحاله حال ذاك الأخرق، الذي يمشي في الأرض مختالاً مستكبرًا ..!!!

ستذيق نابلس حصارها مر الحقيقة، وهي تواصل خبيزها الحلو، نعني لن تكف نابلس عن إعداد الكنافة، ولن يكف أهلها عن المقاومة، ذلك لأن الساعين وراء بهجة المذاق الحلو هم أنفسهم الساعون وراء بهجة الحياة في مذاق الحرية الحلو، وهذه بهجة لن تكون بغير المقاومة، لدحر نقيضها الباعث على النكد والامتعاض، والذي هو الاحتلال قولاً واحدًا.

ستخبز نابلس بنار جبلها حصار الاحتلال، لتحيله إلى كنافة سوداء، بطعم الفحم المحترق، ليسجل التاريخ لها هذه الصناعة الجديدة لطبقها الشهير، وقد جعلته طبقا للمقاومة، وهو يذيق الاحتلال مرارة حقيقته المتهالكة.

ولا شك أنها فلسطين في المحصلة هي من يذيق الاحتلال هذه المرارة، وأنها لتفعل ذلك حقًا من جنين حتى رفح، فيما يواصل  الاحتلال البحث عن وهم البهجة في رصاصه المنفلت، وفي سياساته التعسفية العنصرية العنيفة، في الاعتقال، وقلع الأشجار، وقطع الطرق، وهدم البيوت، ومطاردة صوت فلسطين، وصورتها، وهو يتغول في الاعتداء على طواقم تلفزيونها ..!!

إنها نار الجبل، فبأي آلاء فلسطين سيكذب الاحتلال ..؟ لسنا واهمين في كل ما نرى في هذا المشهد التاريخي، مشهد الصمود والتحدي والمطاولة، الذي لا يليق بغير شعبنا، شعب البطولة، وقد استقرت البطولة في معناها، وحملت جنسيتها الفلسطينية. لسنا واهمين أننا في دورب النصر جراء هذا المشهد بواقعيته اللافتة، ونحن نرى العالم اليوم من حولنا، وهو يتخلق من جديد، نحو واقع أكثر اتزانًا في علاقاته الأخلاقية، قبل السياسية، ولعل أستراليا وقد اجترحت صحوة الضمير النبيلة، فألغت قرار حكومتها السابقة الذي قال بالقدس عاصمة لإسرائيل، لعل هذه الدولة القارة بصحوتها هذه ما يسجل لنا دليلاً آخر أننا على دروب النصر سائرون، وإنها نار الجبل حقًا.

 

المصدر: الحياة الجديدة