للعنصرية روح خربة، ووجه لا يزاحمه في البشاعة أي وجه آخر، وغايات لا تعرف شيئًا عن القيم الأخلاقية بالمطلق، يروج لها خطاب لا يرى البشر أينما كانوا، إلا بثنائية أصولية مقيتة، فيقسمهم بين أبيض، وأسود، ويقرر من هم جماعة الخير، ومن هم جماعة الشر (...!!) وبالطبع وفق هذا الخطاب، وهذه الروح، وهذه الغايات، يرمي الأسود وجماعته بالشر، ليحتفظ بالخير لجماعة الابيض وحدها...!!
قالت العولمة حين ركبت مراكب السلعة، وسعت لتضخيم مرابحها: إن العالم قرية صغيرة (...!!) دون أن تنظر إلى حاجز قلنديا مثلاً، ولا إلى جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل التي باتت دولة أبارتهايد، والحقيقة أن العولمة إنما تريد العالم بهذه الخديعة، سوقًا استهلاكية كبيرة، تحميها قوى العنصرية، على قاعدة أن المنتج هو الرجل الخارق، والكامل المكتمل، بعرقه السامي، والمستهلك هو العبد بعرقه الوضيع...!!
كثيرة هي الشعوب التي عانت من ويلات العنصرية، غير أن شعبنا الفلسطيني هو الأكثر معاناة في التاريخ الحديث، من هذه الويلات، ومنذ أكثر من سبعين عامًا، سيرة اللجوء في هذا التاريخ بدأت معه، وصحيح أن العالم أقام لنا "الأونروا" وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وصحيح أن هناك القرار رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين إلى ديارهم، غير أن وكالة الغوث تحاصَر اليوم، والقرار الخاص بالعودة ما زال مجرد ورقة في أدراج الأمم المتحدة، مثلما قرارات كثيرة أبطلتها العنصرية، ولا ثمة مساءلة واحدة لإسرائيل...!!!
من التحضر والإنسانية، أن ينتصر المجتمع الدولي للاجئين، كلما بات هناك لاجئون، شرط ألا يتم هذا الانتصار وفق مكيالين، يفرق بين هذا اللاجئ، وذاك، العنصرية وحدها من يفعل ذلك اليوم، ونحن نتابع أخبار اللاجئين الأوكران في محطات الغرب وخطاباته...!!!
للشعوب أن تدافع عن أوطانها، وللدول أن تدافع عن مصالحها المشروعة، وللاجئين الحق في المساواة بينهم من أية جنسية كانوا.
لا يتطلع شعبنا الفلسطيني اليوم مثلما كان على الدوام، لا يتطلع لغير العدالة ونصره المظلوم، بالتصدي العملي للظالم، ولطالما دعا وسيظل يدعو إلى المكيال الواحد والقيم والمعايير الواحدة وليس إلا على قاعدة قرارات الشرعية الدولية.
لن تنجو العنصرية بجريرتها مهما بلغت قوتها ولقد أخبرنا التاريخ بذلك ونحن نقرأ في كتابه إلى أية مزبلة انتهت النازية.
*المصدر: الحياة الجديدة*
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها