لعله واحد من أعرق الأحياء السكنية في مدينة القدس، وكان يسكنه سبعة عشر ألف فلسطيني لوقت قريب تناثروا بفعل قرارات الاحتلال الصادمة، ولم يتبق سوى بضع مئات منهم، ومن بينهم عائلة صالحية التي تضم عديد النساء والأطفال، والتي دخلت في نزاع قضائي مع بلدية القدس لوقف الإجراءات الخاصة بالهدم، ومنذ العام 2017 كانت هناك مرافعات قضائية لم تنجح في وقف عملية الهدم التي تداعى لها عناصر الشرطة والقضاء والبلدية والجرافات الاحتلالية التي أحالت منزل العائلة إلى ركام تضربه الرياح قارسة البرودة، بينما تتجمد دموع النساء والأطفال في محاجر العيون حزنا، وتتلظى نفوسهم كمدًا وهم يرون منزلهم يتهاوى ظلمًا، ودون وجه حق، وبادعاء أن البلدية الاحتلالية تريد إنشاء مدرسة وروضة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكأن القدس لم يعد فيها من مكان سوى الذي عليه هذا المنزل الذي تهاوى، ولم يعد له من وجود، بينما يتجمع بعض المتضامنين منددين بهذه الخطوة، وقد يكلفهم ذلك الاعتقال من قبل قوات الاحتلال، فليس لهم وفق «القانون الإسرائيلي» حق الاعتراض لأن هذا القانون الذي يتعارض مع قوانين بلدان العالم يرعى مصلحة الاحتلال، ويتجاهل كل مصلحة أخرى، وهم يعترفون بذلك، فليس من قانون يجيز هذا التعدي، والسلوك غير الإنساني الذي يتعمده المحتلون لإبعاد الأسر العربية عن منازلها لتوسيع دائرة الاستيطان، وبعناوين شتى وغير منطقية.
معركة الشيخ جراح متواصلة يخوضها مواطنون عزل إلا من حق يريد المحتل أن يسلبهم إياه في تجاوز صارخ على كل القوانين والمواثيق الإنسانية، ويعترف محللون ومعلقون إسرائيليون بأن قوانين المحتل تتعارض وبقية القوانين، ولكن مصلحة إسرائيل وفق تعبيرهم تتجاوز تلك القوانين وأهميتها طالما كان القرار المتخذ، وفي اتجاهات عدة يخدم مشاريع الاحتلال، ويجرد الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة في بلدهم، وهذا ما يجعل المعركة غير متوازنة، فالفريق الأول يملك السلاح والعتاد والمال والقوة القاهرة، والقوانين التي يمضيها في الاتجاه الذي يريد دون خشية من أحد، بينما يفتقد الطرف الثاني إلى كل شيء، ولا يستطيع أن يتصرف كما يجب عليه لدرء المخاطر، فحينها قد يتحول إلى إرهابي يجب أن يقتل، ويكون القانون مسلطاً عليه فهو الطرف الأضعف الذي يصرخ ويحتج دون جدوى.
سيكون على أفراد أسرة صالحية أن يتحملوا هذا العذاب، ويستذكرون عذابات وصبر آلاف الأسر التي سبق أن هجرت ودمرت منازلها، أو صودرت بينما تحملت التهجير والغربة والمخيمات والحرمان من أبسط الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية التي يمكن أن تتوفر لغير الفلسطينيين، لكن ولسوء الحظ والى وقت قادم علينا أن نتحمل فكرة أن معركتنا مع إسرائيل ستدخل في مسارات مختلفة، طالما أن دولة الاحتلال لا تهتم كثيراً للقانون الدولي وشرعة حقوق الانسان..!!

المصدر: الحياة الجديدة