سواء خرج  "نتنياهو" من أزمته الراهنة، بصفقة ثوب العار مع عزله عن السياسة، أو أدخل الى السجن بدون صفقة، فإن ما يجري بمحاكمة رئيس وزراء إسرائيل السابق، هو دليل أزمة عميقة، وتعبير عن مأزق تعيشه الديمقراطية الإسرائيلية. وصفقة العار لنتنياهو ليست مسألة عابرة، أو أنها مجرد قصة فساد رئيس حكومة فقط، هناك خلل بنيوي في فكرة تكوين إسرائيل، فعندما يقام كيان على أسس عنصرية، ويستند إلى مبدأ إلغاء وجود الآخر وتغذية الكراهية ضده، يتحول المجتمع في هكذا كيان إلى مجتمع قبلي غريزي يلتف حول زعيم يغذيه أكثر بالكراهية، وبالمقابل يغض الطرف عن مساوئه.

صفقة نتنياهو هي فعليًا ليست صفقة فردية وحسب، بل هي صفقة لتغطية ثوب ديموقراطية إسرائيل المليء بالثقوب. رئيس الوزراء هذا، الذي استمر بالحكم لفترة هي أطول من فترة اي رئيس وزراء سبقه  كان ملموسًا فسادُه، ولكن ما دام قادرًا على تغذية خطاب الكراهية فهو مقبول بل ومرغوب به جدًا في هذا المجتمع الغريزي.

وإذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى للاحظنا كيف صمت حزب الليكود، وهو الحزب الذي يمثل أكثر من غيره النموذج للغريزية الإسرائيلية، عن زعيمه الفاسد ما دام قادرًا على ممارسة لعبة الكراهية واللعب على وتر التهديد والخطر الوجودي المزعوم بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة. هذا الحزب يسن اقطابه اليوم رماحهم  بعضهم على بعض على الزعامة، والذي سيفوز هو من يكون أكثر قدرة على مخاطبة غريزة المجتمع. والطامحين لقيادة الليكود ومن ثم إسرائيل يجب أن يتمتعوا بهذه الصفات، وأكثر من ذلك يجب أن يكونوا بارعين في مراكمة العنصرية والكراهية في المجتمع ليحصدوها أصواتاً لهم في أي انتخابات.

وعلى ضوء الصفقة المحتملة، أو نتيجة لها فإن خارطة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي قد تتغير، وربما الخارطة  السياسية بمجملها ستتغير، فخروج نتنياهو من الحياة السياسية في إسرائيل بالتأكيد سيؤدي إلى خلط الاوراق والتحالفات، كما ان الإدارة الأمريكية، إدارة بايدن، وهي أكثر المرحبين بخروج غريم الديموقراطين من الحلبة السياسية في إسرائيل ستتغير نظرتها للحكومة الحالية.

 فهذه الحكومة الإسرائيلية  كانت جيدة  للداخل والخارج بالرغم بما هي فيه من هشاشة بوجود نتنياهو، ولكن بعد غياب هذا التهديد سيكون تغير تركيبة الحكومة مطلبًا داخليًا وخارجيا لانها مكبلة وعاجزة عن إتخاذ قرارات سياسية كبيرة. ولعل الخاسر الأكبر من خروج نتنياهو هو بينيت ومن بعده لبيد، الأول لأن لا أحد يريده في واقع الامر بما فيه اقطاب من حزبه الاستيطاني،  والثاني لأن أمله أن يصبح رئيس حكومة في معادلة التناوب قد تراجعت كثيرًا، فهناك قوى يمينية في الحكومة قبلت بالتحالف مع اليسار لأنها  كانت ترفض فكرة التحالف مع الليكود الذي يتزعمه نتتياهو.

وفي المجمل فإن الصفقة تكشف مأزق الحياة السياسية في إسرائيل، وخاصة مأزق الديموقراطية عندما يبرز جوهرها العنصري أكثر وأكثر، وتظهر للعيان من كم هي غير ديموقراطية في حقيقة أمرها.

قد يقول قائل انهم على الاقل يحكمون رئيس الوزراء السابق بتهم الفساد ويعاقب، ولكن هذا المظهر خداع لأن الأصل هو في دولة تقول عن نفسها انها دولة اليهود فقط فأي ديموقراطية هذه. هذا الفاسد كان فاسدًا وهو في الحكم لأكثر من عشر سنوات ولكن ما دام يفي بالغرض الغريزي يمكن غض الطرف عن كل مساوئه. هذا الشكل من الديمقراطية هو أقرب للفاشية بل هو الفاشية بعينها  إنها خطر ليس على إسرائيل بل على البشرية جمعاء.

المصدر: الحياة الجديدة