يستخلص الباحث الدقيق في تصريحات رؤوس منظومة الاحتلال الاستعماري الصهيوني العنصري بكل سهولة علامات التخوف على المصير والوجود في تصريحاتهم وخطاباتهم، وأكثر من ذلك إقرار غير مقصود بنزعة الانعزال التي طوقت فيها المنظمة الصهيونية حياة اليهود في العالم، وتوظيف التخوف والإنعزالية لحشدهم كأدوات خادمة للمشاريع الاستعمارية الكبرى، فبنيامين نتنياهو الذي ترأس حكومة المنظومة لثلاثة عشر عامًا حلم باستكمال عمر كيان منظومته إلى مئة عام ويعتبره معجزة إذا تحقق، فيما نفتالي بينيت رئيس حكومة المنظومة حاليًا وهو من نفس الطينة الحزبية لنتنياهو رغم انشقاقه عنه يخشى زيادة اندماج اليهود الأميركيين في مجتمعهم الطبيعي في الولايات المتحدة الأميركية حيث قال:" الهجرة إلى إسرائيل لا تقوينا كدولة فحسب، بل تحافظ أيضًا على استمرار وجودنا كيهود في مواجهة الاندماج المتزايد (الزواج المختلط)، خاصة في الولايات المتحدة".
سيتوقف المشروع الصهيوني عن النمو ويجف تلقائيًا مع تغير المناخ الوطني الكفاحي النضالي في فلسطين ، باعتبارها أرض الشعب الفلسطيني المستهدفة من الهجرة اليهودية ومع تغير المناخ السياسي الاستراتيجي الإقليمي والدولي الذي سيضعف الوظيفة الاستعمارية لمنظومة الاحتلال العنصرية المسماة إسرائيل، لذلك يسابق رؤوس هذه المنظومة الزمن لتحقيق وقائع على الأرض تمكنهم من تحمل المتغيرات والتي قد يكون بعضها مفاجئًا ولكن بصورة خطيرة وجامحة، ومن هذه المتغيرات تنامي الاعتزاز بالهوية والانتماء الوطني الفلسطيني لدى الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية والطبيعية كما ظهر في الثامن عشر من أيار الماضي عندما هب الشعب الفلسطيني للانتصار لقلب وطنه القدس كما وصفها الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وتنامي حالة التفهم العميق لدى الشعوب الحرة في العالم للقضية الفلسطينية كما برزت في التظاهرات اللامسبوقة في بريطانيا، دولة وعد بلفور الاستعمارية، والولايات المتحدة الأميركية، دولة وعد بلفور الثاني دونالد ترامب.
أما المتغيرات في المحيطين العربي والإقليمي، بتداخلهما السلبي والإيجابي كتطبيع حكومات وأنظمة رسمية عربية، مقابل إرتفاع مستوى الخط البياني لمفهوم الوطنية لدى الشعوب العربية وإدراك مخاطر رمي مصير الدولة الوطنية في يد دول استعمارية وإقليمية كما حاول بذلك الإخوان المسلمون (توأم المشروع الصهيوني) ناهيك عن صعوبة تمرير الشعارات اللاهبة الحارقة الخارقة الوهمية الهلامية التي استخدمتها قوى وأحزاب وجماعات إسلاموية سياسية لتثبيت قواعد اشتباك وصراع داخلي في كل قطر عربي على حساب الاشتباك الرئيس والصراع مع منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري إسرائيل، والشاهد الأكبر عندنا هنا في فلسطين حيث تنفذ حماس أخطر مهمات هذه المؤامرة التي بدأتها في الانقلاب الدموي عام 2007.
تستطيع منظومة الاحتلال والعنصرية والتطهير العرقي (إسرائيل) تأمين أحدث الأسلحة لحماية نفسها والاستمرار بمنهج العدوان واستدراج الحروب، مطمئنة إلى ديمومة تطلعات دول كبرى استعمارية في الهيمنة والسيطرة على المنطقة، ما يعني ضمان استمرار دور إسرائيل الوظيفي كأداة لهذه القوى، لكن كل هذا لا يشكل للمنظومة عناصر البقاء والديمومة مثلها مثل أي دولة في العالم، فقوة الدفع والحيوية لإسرائيل من الدول الاستعمارية الكبرى ستضعف وتنقطع في نقطة ما حتمًا، ما يعني أن هذا الكيان سيؤول إلى نهايته الحتمية، باعتباره ما زال في طور (النطفة) بمعيار الدول الراسخة في التاريخ والحضارة في المنطقة، إذ لا يمكن مقارنة سبعين عاما عنصرية وإجرامًا وكذبًا وتزويرًا للتاريخ بسبعة آلاف عام هي العمر الحضاري لأي دولة عربية في المنطقة على رأسها فلسطين.
يحاول الصهيوني بينيت كغيره ممن سبقوه رغم فشلهم بإنشاء هرم دولة اجتماعي مخالف لقوانين الجاذبية والتطور الطبيعي للشعوب والدول، فهؤلاء مثل بينيت وقبله نتنياهو وغيرهم مصابون بداء العنصرية والكراهية والعدائية والعدوان والانعزالية، فهذا بينيت قد قال: من المشكوك فيه ما إذا كانت هناك قضايا مهمة وأساسية لمستقبلنا ولجوهرنا كدولة يهودية على وجه الخصوص، وكمجتمع بشكل عام، مثل قضية الهجرة إلى إسرائيل، فهو لم يتحدث عن أمن واستقرار وسلام يجب أن تتقيد به منظومته وتطبقه كشرط وتقدمه للمحيط لتتمكن من العيش بأمان وسلام وإنما تحدث عن الهجرة أي عن سبب حياة واستدامة المشروع العنصري الصهيوني الذي يعتبر قضية حياة أو موت لكل المستخدمين والموظفين لتنفيذه وهو منهم لذلك قال: "الهجرة إلى إسرائيل هي أيضًا بالنسبة لي تجربة تشكيل للحياة".
لا بد من القول أخيرًا إن ماضي وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني لم يكن مربوطًا ولن يربط بمصالح قوى إقليمية ودول استعمارية، لذلك يحسب نفسه أكبر وأقدر على التحرر والاستقلال، والانتصار على من ربط مصيره بمشاريع استعمارية مصيرها السقوط حتمًا.
سيكون مستحيلاً زرع شجرة صحراوية في القطب الشمالي والعكس صحيح مهما وفرت لها أسباب الحياة، فالشجرة أم الروضة أو الغابة، ولا تصير كذلك إلا في بيئتها الطبيعية، وهذا ما تفعله المنظومة الصهيونية التي تحاول تدمير قوانين الطبيعة والإنسانية لأجل تثبيت خرافتها كأمر واقع.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها