إنه الفتحاوي "عبد الرحمن أبو جعفر" ضحى بنفسه نعم، لماذا؟ لأنه أولاً من فلسطين النخوة والكرامة، وثانيًا من فتح الثورة والعنفوان، تربى على مبادئها في مدرسة ياسر عرفات العظيمة، ورغم أن عبد الرحمن لم يمضي على مراسم زفافه سوى ١٩ يومًا، لم يأبه لذلك ولم يفكر في شيء إلا صوت شقيقه الشهيد "إيهاب أبو جعفر" القائد في كتائب شهداء الأقصى، الذي ناداه من عليين، أن إنتصر لاخوانك أسرى نفق الحرية البواسل واستضيفهم في منزلك، فهؤلاء دافعوا عن الوطن، ودفعوا ضريبة الكرامة عن فلسطين وعن العرب والمسلمين، وتحملوا ظلام السجن وظلم السجان وكسروا المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وحولوا تكنولوجياتها المتطورة إلى خردة لمدة أحد عشر يوماً.

ما بين بيسان وجنين وما بين القدس والناصرة، تأملوا فلسطين وتنشقوا هواءها العليل وأكلوا من صبرها وتينها وزيتونها، وشربوا من جداولها العذبة المياه، وما بين الثمانية وأربعين والسبعة وستين، تذكروا حكاية وطن سلب مرتين، وتذكروا بطولة عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام، وتذكروا دلال المغربي والوزير أبوجهاد، وتذكروا من اغتيال الشقاقي ومن بالسم قتل أبا عمار.
ومن زنازين الذل والهوان حفروا بدمهم وعرقهم قبل أدواتهم البدائية نفق الحرية ليأكدوا للعالم أجمع أن إرادة الشعب الفلسطيني لا تقهر، وببطولتكم هذه أشعلتم عناوين الأخبار وبحفر سرداب نفقكم حيرتم المحتل الغدار، وبكسركم هيبة المحتل الأمنية وخروجكم من أهم تحصيناته والقلاع سطرتم مثالاً كبيرًا في الوحدة والمجد والعطاء، ستتذكره على مر السنين الأجيال فيستلهمون منها ومن معانيها العزيمة والتضحية والإيمان الذي لا يتزعزع بأن لا يأس مع الحياة.
فلسطين كلها في الوطن وفي الشتات عبرت عن فخرها واعتزازها بستة أبطال أوقفوا ستة ملايين على رجل واحدة، وحبسوا أنفاس العالم لمدة أحد عشر يومياً، فهذا العمل البطولي العظيم لن ننساه وسندرسه في كتب التاريخ، و ستبقى أسماءكم محفورة في سجل الخالدين.
كيف بإمكانكم أيها المحتلين تردعوا شعب يبحث عن الحرية فوق الأرض ومن تحتها، وكيف تستطيع أن تقف بوجه شعب عشق الشهادة ويعتبرها طريقًا لحياة أفضل من التي يعيشها.
وأختم بما قاله الشاعر الكبير محمود درويش:
*يا دامي العينين و الكفين،، إن الليل زائل*
*لا غرفة التوقيف باقية،، ولا زرد السلاسل،،*