نسورنا هم أبطال "عملية النفق"، وزيدان هو الكاتب يوسف زيدان، وهم ضمير متصل يشير إلى محطات ومواقع إعلام نشرت " تفاهات "يوسف زيدان وتشكيكه بحصول العملية وإشارته السمجة إلى أنها مسرحية نفذتها إسرائيل، وتوقعاته أن هؤلاء الأبطال لن يظهروا أحياء مرة أخرى، وسخريته من الفلسطينيين الذين احتفوا بالملعقة، ومواقع الإعلام التي تبجَّح فيها زيدان برؤيته وفهمه، هي نفسها التي أتاحت للداعية وسيم يوسف إطلاق إساءاته إلى الفلسطيني وترحيبه بالتطبيع المجاني مع العدو الصهيوني، وفي هذا نبوءة بقرب اختفاء يوسف زيدان في ظروف غامضة كما حصل مع وسيم يوسف، فالفشل حليفهما، وعندها لا يبقى لوسائل الإعلام "المطبعة"، إلا الممارسة الفعلية بتجاوزهما لسقوطهما المريع في نظر كل المتابعين الأحرار، أنصار فلسطين القضية، وهذا مصير من يبيع نفسه.
عندما مجَّد الفلسطينيون الملعقة والنفق، كانوا يستهزئون، بإبداعٍ وخيال جامح، بدولة إسرائيل وأجهزتها ومصلحة سجونها وإجراءات تحصين الخزنة التي تُطبِقُ على جواهرنا: أبطالنا الذين وضعوا نصب أعينهم الحرية مهما كان الطريق شاقا. الفلسطينيون يقرأون المشهد جيدًا ويعرفون أن الملعقة لم يكن لها دور في العملية، لكنها ترمز إلى إرادة ووعي وتخطيط وتصميم للخلاص من الأسر بما يملكه الابطال من أبسط الأدوات، تمامًا كما يقاوم أبناء الشعب الفلسطيني جبروت الاحتلال وقدراته العسكرية الفائقة التطور، ووحشيته، بما يملكون من أدوات مقاومة بسيطة، نجحت حتى الآن في منع تحقيق العدو الصهيوني لما يريده، وهو الاطمئنان إلى وجوده، فقوته العسكرية لإثبات وجود، أما الفلسطينيون، لا يحتاجون إلى شهادة وجود. إنهم يحمون هذا الوجود.
هل كان الفلسطينيون لا يتوقعون إعادة أسر هؤلاء الأبطال، كلُّهم أو بعضهم؟ توقّعوا ذلك، لكنهم كانوا يأملون ويستعدون لبذل الغالي والنفيس لحمايتهم، ويعرفون أن ذلك صعب جدًا لما يملك العدو من قدرة على تجنيد الآلاف من العسكر والعسس والتقنيات الفائقة التي تجعل وصول هؤلاء الأبطال إلى أحضانهم معجزة، لكن، كان الأمل يحدوهم أن تتحقق هذه المعجزة كما تحققت معجزة الخلاص عبر النفق، وما زالوا يأملون أن يتمكن البطلان الناجيان من إعادة الأسر في الوصول اليهم، فقد حصل ذلك سابقًا في نموذج الهروب من سجن الرملة، حيث نجح حمزة يونس، لكن زميله سمير درويش، لم ينجح، فهذه من سنة الحياة وقسوة الظروف والمفاجآت، والحرص على تجنيب أهلهم ويلات الانتقام الوحشي من المحتلين.
وقوع الأبطال الأربعة مرة أخرى بالأسر، ليس بسبب وشاية أو خيانة أو تخلي أهلنا في الجليل عنهم، بل واضح من مجريات الأحداث أن الأبطال الأربعة اختاروا الابتعاد حيثما استطاعوا عن السكان تجنيبا لهم من بطش الاحتلال، اختاروا مناطق معزولة رغم تعبهم، في انتظار حصول متغيرات تمكنهم من الخلاص من الطوق المفروض حولهم، لكن روايات العدو الإسرائيلي وأبواقه، أرادت خلق الشك والريبة وزرع الفتنة، والمفجع، أن تشارك محطات إعلام التطبيع في نشر هذه الروايات، وعلى سبيل المثال تحتضن هذه المحطات رواية وتصريحات وزير الداخلية الإسرائيلي وتعيد نشر ما كتبه على التويتر، رغم أنه يقطر سما إذ يقول إن أهلانا في الداخل خذلوا أبطالنا، وقدم الشكر لهم على مساعدتهم في إعادة الأسر، وهذا كذب، فلماذا يشارك بنو اهلنا في نشر هذه الفرية.
طبعًا شاركت أبواق أخرى تعيش على تشويش تلاحمنا الوطني، كما فعلت "الاخبار اللبنانية"، وللأسف، التقطت كذبها وسائل إعلام فلسطينية تتبع فصيلاً فلسطينيًا.
حلّق نسورنا فعليًّا عاليا في سماء الحرية، ويظلون نسورًا بروحهم وإرادتهم وهم خلف قضبان الأسر، فهذه طبيعتهم، وليست خصلة طارئة عليهم، سيبقون وشعبنا معهم أحرارًا، لا يستكينون لإرادة المحتل، ونظرة فاحصة على صورهم في محكمة العدو في الناصرة، وكيف يحيط بكل واحد منهم أفراد شرطة العدو كالزنار، ألا يشير هذا إلى خوفهم من مجرد صورة تعكس العزم والقوة والإصرار على تحديهم الأزلي للاحتلال؟
نعم، نسورنا يحلِّقون في سماء الحرية مُحاطين بالمجد والفخار، وزيدانهم وأمثاله يهوون إلى القاع مجللين بالخزي والعار.

المصدر: الحياة الجديدة