قد يعتقد البعض أن المقولة التي ترددها القيادة الوطنية الشرعية إن "لا انتخابات بدون ان تكون القدس المحتلة جزءا منها"، بأنها حجة أو مبرر للتراجع عن اجراء الانتخابات. هذا الاعتقاد إنما ينم عن عدم فهم أن التنازل عن إجراء الانتخابات في القدس يعني القبول بإعلان الرئيس الأميركي ترامب بأن القدس عاصمة "الشعب اليهودي"، كما سيعتبر تنازلًا عن الحق الفلسطيني الأصيل في القدس المنصوص عليه في القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، وتنازل عن الحق المنصوص عليه في اتفاقات "أوسلو" بأن القدس هي إحدى قضايا الحل الدائم، وأنه لا تقرير للمصير بهذا الشأن من جانب واحد.

وهنا لا بد من التذكير أن إسرائيل قد وافقت على إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس عام 1996، حتى بعد ان اغتال اليمين الإسرائيلي إسحاق رابين، وذلك استنادًا إلى الاتفاقيات الثنائية الموقعة. كما وافقت إسرائيل، وفي ظل رئاسة شارون للحكومة، على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية عام 2006. اليوم المعركة بالنسبة لنتنياهو هي معركة تكريس إعلان ترامب كحقيقة وواقع، من جهة أخرى فإن من واجب القيادة الفلسطينية، ومن مسؤوليتها الوطنية والنضالية والدستورية، منع هذا التكريس الصهيوني، فالمعركة هي في نظر الطرفين، معركة مصيرية.

الانتخابات من دون شك مهمة جدًا، وهي ضرورة، لكنها ليست هدفًا بحد ذاتها، أما القدس فهي أحد أهم محاور الصراع مع المشروع الصهيوني التوسعي وهي العنوان الرئيس في الاهداف الوطنية الفلسطينية، من هنا يجب أن لا يكون هناك أي التباس بخصوص اهمية وأولوية القدس في النضال الوطني الفلسطيني، كما يجب أن لا يغيب عن وعينا أننا لا نزال في مرحلة التحرر الوطني، فنحن أقرب في كوننا حركة تحرر وطني، من كوننا دولة، نحن في واقع الحال دولة تحت الاحتلال، والقدس هي العاصمة المحتلة، من قبل دولة الاحتلال، ومن هنا إخفاق البعض في تحديد الأولويات والتمييز بين ما هو هدف وما هو وسيلة.

قد يلخص البيان الأخير للاتحاد الأوروبي مركزية القدس في الانتخابات، فاسرائيل تصر على منع المراقبين الاوروبيين من التواجد في القدس تحت حجج واهية، المجتمع الدولي لم يوافق على اعلان ترامب بشأن القدس، ولا يزال يعتبرها أرضًا فلسطينية تخضع للاحتلال الإسرائيلي، ولا يجوز تقرير مصيرها من جانب واحد، من هنا ممنوع الرضوخ لضغوط نتنياهو، ومحاولة فرض الرواية الصهيونية للقدس.

وفي ضوء الحاجة الوطنية للانتخابات، باعتبارها مدخلًا لتجديد الشرعية، ومحاولة لإنهاء الانقسام وإعادة توحيد الوطن، والنظام السياسي، فإنها يجب أن تجرى في مواعيدها، ولكن ليس بدون القدس. إن تحقيق إجراء الانتخابات ضمن المعادلة والشروط الصحيحة في القدس هي على نحوما من مسؤولية المجتمع الدولي كذلك ، إذا ما تم احترام القانون الدولي وضرورة تطبيقه بصورة نزيهة، وكذلك فإن هذه المسؤولية هي مسؤولية قوى السلام في إسرائيل ذاتها، وتلك القوى التي لا تزال حريصة على حل الدولتين.

أما على الصعيد الفلسطيني علينا أن نتوحد جميعنا حول هدف إجراء الانتخابات في القدس، وأن لا نعطي اي انطباع بأن هناك وجهات نظر حول هذه القضية المركزية، قضية بحجم القدس. إن مجرد التلميح بأن إجراء الانتخابات هو الأولوية والهدف سنكون حينها قدمنا هدية لمحاولات نتنياهو تكريس اعلان ترامب على الساحة الدولية. نحن موحدون حول هدف إجراء الانتخابات في كل المناطق الفلسطينية وفي مقدمتها القدس ولا انتخابات بدون القدس.