برزت تساؤلات فيها ما يكفي من الغمز واللمز والتشكيك حول قضاة من قطاع غزة أعضاء في محكمة قضايا الانتخابات، وكأنّ مواطني غزة جميعهم ينتمون لحماس أو موالون لها، ونعتقد أن الحديث في هذا الاتجاه خطيئة لا تغتفر بحق مواطني القطاع المشهود لهم بالانتماء الوطني، فالقضاة الذين سينظرون ويقضون في قضايا الانتخابات من البديهي أن يكونوا أنقياء وأطهارًا من شبهة الانتماء أو العمل مع سلطة الأمر الواقع التي أنشأتها حماس المنقلبة أصلًا على القانون والنظام الأساسي منذ العام 2007.
سبعة وعشرون قاضيًا أعضاء في السلطة القضائية قبل انقلاب حماس تم اختيارهم ليقيموا ميزان العدل والقضاء في قضايا الانتخابات، ليس بينهم قاض واحد عمل في محاكم حماس اللاقانونية واللاشرعية كونها محاكم حزبية خاصة، فالقضاة جميعهم أعضاء ملتزمون بالسلطة القضائية الشرعية المنسجمة والمتكاملة في عملها مع السلطة التنفيذية الشرعية قبل انقلاب حماس ومازالوا.. ونعتقد أن القضاة المؤمنين بسيادة القانون، ويحملون أمانة تطبيق العدل، لا يحتاجون لشهادات من أحد، ولكن قطعًا للشك باليقين وللتساؤلات التي يطل رأس الخبث بين ثنايا كلماتها وحروفها كان لابد من إيضاح هذا الأمر للجمهور، فحركة فتح تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار، وترى في الانتخابات فرصة جديدة لإنهاء آثار انقلاب حماس عام 2007 وتمكين حكومة وحدة وطنية من حل القضايا والمشاكل العالقة، لكن قيادتها الوطنية الحريصة على تقديم نموذج يحتذى لمعنى العملية الديمقراطية، لن تسمح ولن توافق على خرق قانون الانتخابات، أو الالتفاف على القرارات بقوة القانون والمراسيم المتعلقة الصادرة عن رئيس الدولة محمود عباس أبو مازن، وستواجه أي مخالفة بالقانون وتحديدًا المتعلقة بترشح مطلوبين للقضاء وسلطة القانون الشرعية أو متهمين بجرائم قتل واغتيالات.
التساؤلات حول شكل الحكومة بعد الانتخابات حال فوز حركة فتح بالأغلبية، فإن العقل الوطني المسير لقادة ومناضلي الحركة وأنصارها وجماهير الشعب الفلسطيني المؤيدة لمنهجها ستتجلى بأحسن صورها في حكومة وحدة وطنية، ونعتقد أن قرار الرئيس بتخفيض نسبة الحسم إلى 1.5% كان إرهاصًا لتمكين القوى الفاعلة في الشارع الفلسطيني للوصول للتشريعي، وفتح المجال أمامها لتأخذ مهمتها في حكومة وحدة وطنية سيكون أمامها مهام استثنائية في لحظة تاريخية مصيرية، فحركة فتح لا تستأثر بالسلطة، لا تراها إلا سبيلا لخدمة الشعب الفلسطيني، وتحقيق أهدافه الوطنية، فإن كانت فتح تتحمل العبء الأكبر، وتحقق إنجازات مشهودًا لها في كل ميادين الكفاح والنضال الميداني الشعبي بالتوازي مع السياسي والقانوني في المحافل الدولية إلا أن قيادتها تعتقد بأن المشاركة في المسؤولية بروح وطنية وعقل ملتزم بمصالح الشعب الفلسطيني العليا وبقراره الوطني المستقل سيمنح الشعب نتائج أقوى وأفضل، ويقصر زمن تحقيق الإنجازات الوطنية، ما يقصر عمر الاحتلال والاستيطان العنصري، ونعتقد أن الموقف الوطني لحركة فتح وللرئيس أبو مازن الذي تجلى مرتين، الأولى في دمج حماس في العملية الديمقراطية في الانتخابات التشريعية في العام 2006 رغم الضغوط الدولية الهائلة، وفي المرة الثانية تجلى في إسقاط مشروع أميركي- إسرائيلي في عهد دونالد ترامب لوسم حماس بالإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة خير دليل على صلابة القيادة وموقفها الثابت بعدم التدخل في القرار الوطني المستقل. واليوم تبرهن قيادة حركة فتح وللمرة الثالثة على نقاء مبادئها وسلوكها الوطني، واستعدادها للدفاع عن حق الكل الفلسطيني القانوني الدستوري، وتتصدى لضغوط من دول في الإقليم، ودول خارجه، حيث لا يخفى على أحد تحولات متسارعة في مواقف دول عربية وأجنبية رافضة للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين– حماس فرعهم في فلسطين– سواء كانوا في الحكم أو خارجه، لكن القيادة الوطنية أبت الخضوع وصمدت وقرر الرئيس أبو مازن مواعيد الانتخابات، فالأهم عند قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطيني هو رضا الشعب الفلسطيني عن الموقف والقرار قبل أي قوة أخرى في العالم مهما كان تأثيرها.. وهنا وعند هذه النقطة بالذات سيكون الامتحان الأصعب لحماس، نعتقد أنه لن يكون سهلًا عليها تجاوزه، لكن سنشهد أخطر محطة في تاريخ القضية الفلسطينية إذا تنكرت وأنكرت واستبدت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها