عندما نجسد شراكتهم مع لحظات حياتنا، تفكيرنا وسلوكنا، أعمالنا وانجازاتنا ويلبي ضميرنا نداءاتهم، ونشعر بآلامهم العابرة للقضبان الفولاذية والجدران ونجعل آيات صبرهم وصمودهم مصدر قوة لإرادتنا، ونفكر بأبنائهم كلما حضنا أو جلسنا مع أبنائنا على مائدة او في مناسبة، وعندما نقرأ لهم آيّة الحرية في صلواتنا لنيل بعض الشعور بأننا أحرار، وعندما ندرك مسؤوليتنا كلنا بلا استثناء عن تحريرهم، فإن يقين وإيمان الأسرى بيوم الحرية والتحرر من قيود الزنازين في معتقلات الاحتلال الاستعماري الصهيوني العنصري سينتقل من الحلم والأمل إلى دنيا الحقيقة على الأرض.. فالحق أن تكون قضية تحريرهم الأولوية على جدول أعمالنا، والتضحية من أجلهم على حساب قوتنا، فالأسرى قد ضحوا من أجل حريتنا التي لا يقدر ثمنها بكنوز الأرض كلها، فهم والشهداء أقدس ما لدينا كما قال رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس "أبو مازن"، هم ركن رئيس من أركان نضالنا الوطني المشروع، ألغوا كل حساباتهم المادية من دفاتر حيواتهم، واحتسبوها لحرية شعبهم وأرض وطنهم.
لا نريد أن نكون كالمتحجرة قلوبهم، والجافة عقولهم، أو نتخذ جانب المنظرين، السفسطائيين، المجادلين، المحتاجين إلى عقار ينقذ ثقافتنا الإنسانية من الفناء، ويشفي قلوبنا من مرض انسداد شرايين الوطنية الانسانية؛ لأننا نؤمن بقداسة دموع أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وأبنائهم وآبائهم ونعرف كم تساوي لحظة حرية، والثمن الذي يجب أن ندفعه من أجل حريتهم وتحريرهم وليس أمامنا إلا المضي على منهج وخطة باقتدار. ويجب ألا يغيب عن بالنا دائمًا أننا وإياهم نعيش في معتقلات ومعازل كبيرة مع الفوارق في المساحات وكثافة جنود السجان.. ورغم ذلك سنبقى نعمل حتى نجسد مشهدًا تاريخيًا على الأرض، يطهرنا من رذاذ كلام رغبوي مسيس، وتخريف وتنظير فضائي ما حرر أسيرًا، ولا شبرًا حتى.
كان وما زال صبر الأسرى في معتقلات الاحتلال مدرسة كفاح ونضال، لها فضل عظيم في تعزيز موقف الشعب وقيادته السياسية التي اقسمت على عدم المساومة على حقوقهم وحريتهم مهما كان الثمن. فالعمل على تحرير الأسرى امتحان فائق الصعوبة، لا ينجح به إلا المناضلون والقادة المخلصون الأوفياء المؤمنون بأن حرية الإنسان مقدسة لأنها أعظم ما خلق عليه الإنسان.. وهنا يتجلى دور المثقفين الكتاب والروائيين والسينمائيين وكل المنتجين لأفكار خلاقة في فضاءات التواصل والاتصال الجماهيري، فلعل تأثير شريط وثائقي أو فيلم روائي أو مسلسل تلفزيوني أبلغ وأعمق على الرأي العام.. بالتلازم مع مقاومة قانونية حقوقية، فلسطينية، عربية، ودولية، ترتفع اركانها على قواعد شعبية ورسمية وطنية، يعمل بعضها بصمت في المكان والساحة المحددة، وآخرون يجسدون المبادئ والأخلاق والقيم الوطنية مع ذوي الأسرى فالصوت الشعبي يجب ألا يغيب عن ساحات الوطن ومنتدياته، وعن فعاليات فصائل العمل الوطني والأحزاب، فحيثما تتجمع الجماهير، يحضر الأمل والعمل لأجل حرية الأسرى، فالقضايا لا تنتصر بجهود وأفكار النخب القيادية السياسية وحسب، بل بالقوة الدافعة لتيارات الشعب المتتالية التي تتبنى القضية، فالمناسبات واللقاءات الجماهيرية المنظمة او العفوية (ما أكثرها) ما دامت تقام تحت رعاية وقداسة العلم الوطني الفلسطيني فإنها خير تعبير عن الوفاء للأسرى، فنحن بحاجة لإقناع أنفسنا أننا معهم ليس بالبيانات والشعارات والتمنيات وانما بالتواصل مباشرة معهم، واستحضار اصواتهم، وقراءة رسائلهم، وتقدير وتكريم ذويهم، وتعريف الجمهور، وتشريفنا بمعرفة أبنائهم، وآبائهم، وأزواجهم، نشاركهم صبرهم وصمودهم بتضحيات مادية، حتى لو كانت بسيطة فإنها على عددها وقيمتها تصبح أعظم، فان كنا نعيش جميعنا اليوم أزمة مخصصات ورواتب، فإن للميسورين وأصحاب الدخل اللامحدود دورًا وطنيًا عظيمًا، بامكانهم أخذه دون تردد لإظهار ما في قلوبهم من حب للذين ضحوا بحريتهم لأجل حريتنا.
نعتمد في نضالنا من أجل حرية الأسرى على كفالة وضمان القوانين والمواثيق الدولية لحقوق المناضلين من أجل الحرية، بالتوازي مع إقناع المجتمع الدولي بأن مستقبل المنطقة والسلام في المنطقة مرهون بقيام دولة فلسطين الحرة المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، والإقرار بحقوق اللاجئين وعودتهم وفق القرارات الدولية وحرية الأسرى وأنها جزء لا يتجزأ من حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله. وعلى هذا الأساس تناضل القيادة وتحرص على وضع ملف الأسرى أمام محكمة الجنايات الدولية، والمنظمات الحقوقية كمجلس حقوق الانسان، ووزراء خارجية الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، ومعظم دول العالم ذات التأثير المباشر على منظومة الاحتلال الإسرائيلي.. وسيكون مفيدًا التذكير بأن الرئيس محمود عباس قد أوقف المفاوضات بسبب تنصل سلطات الاحتلال من تنفيذ اطلاق الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى القدامى. وهذا بيان ودليل على قناعة قائد هذا الشعب بأن جدارتنا في الحياة أحرارًا بدولة ذات سيادة مرهونة بحرية الأسرى فحريتهم بوابتنا نحو الاستقلال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها