إن الذكرى السنوية لمجزرة صبرا وشاتيلا الوحشية هزَّت العالم بأسره بسبب الإرهاب والاجرام الدولي الصهيوني المنظم.
يا جماهير شعبنا العظيم هذان المخيمان شهدا أبشع مجازر القرن العشرين، حيث كانت تسكنهما آلاف الأسر الفلسطينية واللبنانية المهجَّرة من فلسطين ومن جنوب لبنان، إضافة إلى الأسر الفقيرة والمعدمة التي ليس لها مسكن.
بعد أن أحكم الجيش الصهيوني السيطرة على بيروت، والذي سبقه صمود ثلاثة أشهر من قبل القوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية الوطنية أذهل كل المراقبين الذين شهدوا لشعبنا اللبناني والفلسطيني هذا الانتصار التاريخي ضد الجيش الصهيوني. وبعد الدمار الواسع في بيروت، وتهجير الأهالي، والطلب الرسمي اللبناني من الرمز ياسر عرفات بإنهاء المعركة، والموافقة على الخروج من بيروت، خاصة أن المبعوث الأميركي فيليب حبيب وهو لبناني الأصل جاء إلى بيروت لإبلاغ الجانب الفلسطيني بالترتيبات المطلوبة، لإنهاء هذه المعارك التي حصدت الكثير من أرواح المدنيين، والاتفاق مع الجانب الفلسطيني على كيفية مغادرة المقاتلين الفلسطينيين إلى بلدان عربية شقيقة، وهذا ما حصل فعلاً لأنه لم تكن هناك خيارات أخرى ممكنة.
ورغم أن الاتفاق مع الأطراف الدولية أكَّد على ضرورة تأمين قوات دولية حيادية لحماية المخيمات المنكوبة، والتي غادرها المقاتلون بناء على الاتفاق، وأصبحت حماية المخيمات وخاصة صبرا وشاتيلا مطلوبة من القوات الأوروبية التي تواجدت في مناطق المخيمات.
إلاَّ أنَّ الجميع الفلسطيني واللبناني فوجئوا بالانسحاب الأوروبي من مناطق المخيمات، والتي تُركت دون حماية ولا حراسة، في إطار خطة جهنمية دولية صهيونية مع أطراف محلية لتصفية حتى الوجود المدني الفلسطيني. وهذا ما تم فعلاً وعملياً وميدانياً وأداة التنفيذ كانت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي خططت وأشرفت، وشاركت بفعالية بقيادة أرئيل شارون وزير العدوان والاجرام، ورفائيل ايتان رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني. وعصابات يمينية محلية من قياداتها إيلي حبيقة.
بدأت المجزرة المؤلمة وهي إحدى العناوين البارزة في تاريخ شعبنا الفلسطيني الصامد والذي يخرج دائماً من تحت الأنقاض، ومن بين جثت الضحايا ليواصل مسيرة التحرير والعودة، جيش الاحتلال حاصر المخيمين، وأخذ بإطلاق قنابل الإضاءة لإرشاد القتلة للتحرك من منزل إلى آخر، يلقون القنابل، ويستخدمون الرشاشات والسواطير والبلطات والفؤوس، واستهداف الأطفال والنساء والرجال بالذبح والتقطيع، وعندما اطمأنت هذا العصابات الحاقدة بأنَّ مَنْ هم في المخيمات قد أصبحوا في عالم الموت. أعطوا التعليمات للجرافات والدبابات للهجوم والتدمير والتفجير ونسف البيوت على أصحابها الضحايا.
استمرت هذه المذبحة ثلاثة أيام متواصلة من 16 إلى 1982/9/18، وتحول المخيم إلى ركام، وجثث مقطَّعة، أطفال ونساء ورجال، وهذه الصورة هي ترجمة للحقد والاجرام الذي يحميه المجتمع الدولي ضد الشعوب الفقيرة والمكافحة.
الجهات الرسمية قدَّرت بأن عدد الضحايا تجاوز الـ 3500 شهيداً، وربع العدد تقريباً هو من اللبنانيين من أهل الجنوب الذين هُجِّروا بعد تدمير بيوتهم في الحروب والمعارك، أو من الفقراء الذين لا يستطيعون استئجار البيوت.
هذه المجزرة كانت مبيَّتة منذ فترة. وبعد هذه المجزرة المؤلمة هنَّأ شارون القتلة بقوله:"إني أهنئكم فقد قمتم بعمل جيد وناجح".
كانت صحيفة لوريان لوجور وهي جريدة بيروتية والتي نقلت في عددها الصادر بتاريخ 14/10/1984 عن مصادر رسمية بأنه تم العثور على (212) جثة مدفونة في مقابر جماعية، و(248) جثة حرقت ودفنت أيضاً في مقابر جماعية، و(302) جثة تم التعرف عليها، و(171) جثة أُخرجت من تحت الأنقاض مجهولة الهوية. وهناك 1200 جثة أخذتها عائلاتُ أصحابها لدفنها في مقابر خاصة.
يا جماهير شعبنا الفلسطيني في كل بقاع الأرض....
ونحن نستذكر أهلنا الذين دفعوا ثمن انتمائهم وولائهم لأرضهم وقضيتهم، وتمسكوا بحقوقهم منذ النكبة وحتى الآن، وعاشوا عواصف المجازر والمذابح والحروب والقصف والتدمير ولم يغيرِّوا، ولم يبدِّلوا، وما زالوا على أهبة الاستعداد. فإننا نفخر ونعتزُّ بهذا الشعب الذي لا يركع إلاَّ لله، ولم يرفع راية بيضاء، مفضِّلاً دائماً الشهادة على حياة الهوان والمذلة. وبالتالي علينا جميعاً أن نكون في خدمته، والسهر على أمنهِ وراحته، وأن نذلِّل أمامه كل الصعاب، وأن نستمع إلى كل الصيحات، وأن نعطي الأولوية في الاهتمامات والحقوق إلى هؤلاء الذين قدموا أبناءهم، وشبابهم، ورجالهم، وأُسرهم ضحايا وشهداء من أجل فلسطين، ومن أجل أن تبقى الثورة وتستمر. ونحن نتحدث عن صبرا وشاتيلا فإن مأساة ومجزرة العصر هذه يجب أن تستيقظ فينا كل معاني الرحمة والعاطفة، والحرص الأخوي، والرعاية الأبوية، والوطنية، والاجتماعية من أجل تغيير واقعهم المأساوي، والمرعب والذي لا يطاق إكراماً لشهدائهم.
فمخيم شاتيلا وصبرا يعيش ظروفاً لا تطاق من كل النواحي، وعلى القيادات الفلسطينية أن تعطي الأولوية لهؤلاء المساكين، وأن تجترح الحلول الميدانية والعلمية إكراماً لشهدائهم وأبنائهم حتى يشعروا بأنَّ لهم الحق في الحياة الكريمة بعد المجازر والمذابح التي حلَّت بهم.
نحن ندرك أن شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وخاصة في لبنان بكل معاناته سعيدٌ اليوم بسبب تصميم القيادات الفلسطينية على عقد مؤتمر المصالحة الفلسطينية برئاسة سيادة رئيس دولة فلسطين القائد الوطني والسياسي لشعبنا الثابت على الثوابت الرئيس محمود عباس أبو مازن، الذي لم يتزحزح عن ثوابته ومواقفه المبدئية، وبحضور كافة الأمناء العامين للفصائل ليقسموا جميعاً على تحقيق وانجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، والشراكة السياسية، وإنهاء مأساة الانقسام، هذا الانقسام الذي بدأ منذ العام 2007 وما يزال، والشعب الفلسطيني المتمسِّك بحقوقه، وبجذوره الوطنية، وانتمائه الصادق للقدس والمقدسات ليس لديه خيار آخر سوى المصالحة، والوحدة الوطنية، ومقاومة الاحتلال حتى التحرير والنصر.
واليوم فإننا وفي هذه اللحظات الحالكة والمرعبة من تاريخ صراعنا ضد الاحتلال الصهيوني لتحرير المقدسات، نقول للدول العربية التي غادرت العالم العربي، وتخلَّت عن القضية الفلسطينية، وانتمت اليوم إلى المشروع العبري والتطلعات الصهيونية، والمشاريع الأميركية في المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وتعزيز مشروع ترامب نتنياهو الذي يهدف إلى نسف كافة المقومات القومية العربية، وتدمير المشاريع الاقتصادية والهيمنة على منابع النفط والغاز، ومصادر الاقتصاد، والإمساك بالطرق التجارية. هذه الامتيازات برمتها ستكون في خدمة الكيان الصهيوني، وبالتالي في خدمة صفقة العصر الصهيونية.
باسم حركة "فتح" نتوجه بالتحية والتقدير إلى كل أبناء شعبنا الفلسطيني ونؤكد حرصنا على التخلص من الانقسام كخطوة لا بد منها من أجل تكريس الوحدة الوطنية، ومواصلة معركتنا المصيرية من أجل دحر الاحتلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم، وهذه أمانة في أعناقنا.
المجد والخلود لشهدائنا الإبرار، والحرية والعزة لأسرانا البواسل، والشفاء للجرحى.
وإنها لثورة حتى النصر
قيادة حركة "فتح" في لبنان
إعلام الساحة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها