بعد 72 عامًا من النكبة التي هي من أكثر المنعطفات سوادًا في تاريخ الشعب الفلسطيني، علينا أن نقف ونفكر ونحلل الأسباب التي ما زالت تعرقل سعينا النضالي الهادف إلى تغيير هذا المنحى الأسود المستمر في حياتنا حتى اللحظة، في هذا المقال سأتناول المخاطر والأضرار التي أصابت القضية الفلسطينية جراء السياسات والمواقف الشعبوية، وما تركته من تأثيرات سلبية على الوعي والقدرة على التخطيط الهادئ والمنتج، والذي يراكم فعلاً ويحقق الانجازات.

المزايدات والتركيز على الشعارات، كانت ولا تزال حالة مصاحبة للقضية الفلسطينية، ومعظم العاملين فيها، والمستخدمين لها، إلى درجة أن تنظيمات وأحزاباً فلسطينية وعربية، عاشت ونمت جماهيريًا في إطار المزايدات والشعارات ودغدغة العواطف، واستغلال معاناة الشعب الفلسطيني، ورغبة الجماهير العربية لتحقيق إنجاز سريع في الصراع مع الصهيونية وإسرائيل. وغالبية هذه التنظيمات والأحزاب وحتى الأفراد لم يقدموا للشعب الفلسطيني سوى الشعارات، مع استمرار تفاقم المعاناة ومن دون أن يساهم ذلك بِتحرير شبر واحد من فلسطين.

المشكلة في كل ذلك أن الشعب الفلسطيني الموجوع والطامح الى إنهاء مأساته بِأسرع ما يمكن، كان في كثير من الأحيان يندفع ويصدق تلك الشعارات، وكانت الصهيونية وإسرائيل تستغل ذلك لتراكم وعيًا عاطفيًا عند الفلسطينيين على اعتبار اعتماد هذا الوعي على ردات الفعل التي سرعان ما تثور وسرعان ما تهدا !!

الشعبوية مرض عانت منه كل الشعوب، فهي أحد أسباب سيطرة الفاشية والعنصرية في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، والتي قادت إلى الحرب العالمية الثانية، وما حصل خلالها من دمار وخسائر بالأرواح زادت عن 70 مليون إنسان. والشعبوية أداة لرئيس مثل ترامب، لضمان فوزه بدورة رئاسية ثانية. وهي أداة كل الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية والأحزاب المتطرفة والعنصرية في العالم، وفي مقدمتهم الأحزاب الصهيونية والدينية المتطرفة في إسرائيل، التي يدفع الشعب الفلسطيني ثمن سياساتها العنصرية الشعبوية.

أن الضرر الأفدح للشعبوية هو تشويه الوعي إلى درجة يدمن فيها الشعب الزعامات الشعبوية التي تدغدغ عواطفه وتبيعه الأوهام. والضرر أن الشعب، وبسبب الشعبوية، يرفض القادة الواقعيين الذين يعملون بهدوء وضمن سياسة وخطة، قد لا تكون نتائجها سريعة، ولكن تقود وتراكم انجازات من شانها أن تحدث فارقًا في هذا الصراع مع عدو ذكي، يتمتع بنفوذ ودعم غير محدود.

الشعب الفلسطيني وقضيته كانا ولا يزالان مادة للمزايدة والشعبوية الرخيصة، فالى متى سنواصل شراء الاوهام والشعارات الفارغة؟