نكتشف قيمة الأمثال الشعبية، وكيف راكمت البشرية تجاربها بأمثال، عندما نعيش نحن تجربة عينية مباشرة ونتذكر المثل. وبما يتعلق بتصادف مجيء شهر رمضان الكريم في ظل انتشار وباء فيروس كورونا، فقد تبادر لي ولغيري بالتأكيد المثل الرائع والذكي جدا "رُبّ ضارة نافعة" والمقصود هنا قد يكون الوباء نافعًا في العودة للتفكير بعمق بالمغزى الايماني لِصوم رمضان، والمغزى التكافلي على الصعيد الاجتماعي.
لأسباب تراكمت عبر مئات السنين كطبقات غبار، انحرفنا عن الفكرة الأساسية للصوم، وبالمناسبة الصوم موجود في كافة الأديان السماوية وغير السماوية وله مغازٍ متشابهة، دعونا نتذكر معًا الفكرة أو الأفكار الأساسية من وراء فريضة الصوم، في مقدمة هذه الأفكار العبادة الفردية، بمعنى تمتين العلاقة بين الفرد وخالقه بطريقة بسيطة، متقشفة، أقرب إلى التصوف والخلود للنفس، كفرصة للتأمل والتفكير الهادئ بشؤون الدين والدنيا. الفكرة الثانية ولا تقل أهمية، هي الصبر والتحمل والشعور مع الجار القريب أو البعيد، المحتاج للمساعدة والدعم، ولعل هذه الفكرة هي واحدة من أهم قيم التكافل الاجتماعي والإنساني بشرط أن تتم بطريقة إنسانية وبدون أي نفاق.
وهناك فكرة في غاية الأهمية. التسامح والغفران، وانتهاز فرصة الصوم لتنقية العلاقات بين البشر ومع الطبيعة بكل تنوعها، مغزى الصوم يتناقض مع فكرة البذخ، وهدر المال، والمقدرات، ويتناقض مع المظاهر الاحتفالية المبالغ بها. رمضان ليس العيد، لأنه لو كان كذلك، لماذا يأتي العيد بعد انتهائه، لرمضان مغاز أخرى.
الفكرة الأخيرة هي ما يطلق عليها صلة الرحم، والمقصود الانتباه للأمهات والأخوات والعمات والخالات، صحيح أن يكون شهر رمضان فرصة للتاكيد على هذا الاهتمام، ولكن هذه المسألة ليست موسمية أو تحدث في مناسبات محددة إنها سلوك يومي، ولا يتم في إطار أبوي، أي ما يمليه المجتمع الأبويي، وانما من منطلق إنساني، أن يكون الإنسان رحيمًا مع أخيه وأخته الإنسان كركن رئيس من سلوكنا وأخلاقنا، ورمضان هنا تأتي أهميته لتأكيد هذا المسلك وممارسته بطريقة سلسة وليس من قبيل الواجب العابر المؤقت.
دعونا نستغل ما فعله بنا الوباء اللعين، هذه الضارة لنحولها إلى نافعة والتفكير كيف يمكن أن يكون رمضان هذا العام بكل ما يعنيه هذا الشهر الكريم، وفي مقدمة ذلك كيف نحوله لشهر للتكافل والتكامل والتضامن، بِكل ما تعنيه هذه المفردات من قيم وأخلاق، لنعود بفريضة الصوم إلى مغزاها الحقيقي، وننفض ما تراكم عليها من غبار السلعة وجنونها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها