الآن وبعد قرار الرئيس محمود عبّاس إعلان حالة الطوارئ لمواجهة خطر فيروس الكورونا ولمنع تفشيه، وتكليف رئيس الوزراء بتنفيذه وتطبيقه، وبعد القرارات التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء رئيس الحكومة د.محمد اشتية، فإنَّنا نعتقد بضرورة الإسراع لرسم خطط لضمان العمل عن بعد لضمان بقاء عجلة المؤسسات الرسمية في كل تخصصاتها في حالة دوران وإنتاج أيضًا مع مراعاة مبدأ التوازن ما بين قدسية كل من حياة الإنسان والعمل على حد سواء، فمقومات الحياة ستضعف وقد تتلاشى من دون عمل، ولا عمل دون حياة آمنة صحية مستقرة.

إنَّ توفر الأدوات المكتبية الحديثة كالحواسيب وغيرها، وتوفر خط نفاذ على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) لدى الغالبية العظمى من الموظفين، وتأمينها للموظفين الأساسيين إن كانوا لا يمتلكونها تعتبر مستلزمات أساسية للعمل عن بعد بالتوازي مع تأمين إيصال المستندات والوثائق الورقية في الاتجاهين (الموظف والإدارة) وتأمين أماكن إقامة للموظفين الذين لا يستطيعون العودة إلى مساكنهم في مدن وبلدات أخرى وتفرض الإجراءات الوقائية بقائهم في مناطق عملهم وتكليف من لا ينطبق عليه العمل عن بعد بمهام أخرى متناسبة مع الظرف القائم الطارئ.

أهم ما يجب تطبيقه في فترة الطوارئ تطبيق مفهوم التعاضد الأسري وتحديدًا فيما خص حضانة أبناء الموظف الذي لا بد من وجوده على رأس عمله في ظل إغلاق الروضات والحضانات والمدارس، وهنا يتجلى الاهتمام الرسمي والاجتماعي بالأسرة باعتبارها اللبنة الأولى في بناء المجتمع والدولة، والاهتمام بالراحة النفسية للموظف المطمئن على أوضاع أبنائه عندما يكون في موقع العمل في الحالة الطبيعية، فالموظف المطئمن منتج، أما القلق على عائلته فيستحيل عليه الانتاج حسب الأصول والمواصفات.

 

نستطيع وضع معادلة توازن بين مقدسين الأول حياة الإنسان وأمنه وصحته في حالات الطوارئ والمقدس الآخر العمل، ونحصل على نتائج أفضل عندما يصير العمل في عقل وقلب الموظف العامل المدير وحتى ربّ العمل أو الوزير قيمة أخلاقية، وعندما نعمل على تنمية العلاقات الإنسانية لتتفوق وتتقدم على المكسب المادي فقط، وهنا يتجلى دور المسؤولين المباشرين والمدراء المختصين في تجسيد النصوص والنظم واللوائح الإدارية الناظمة للعمل وتحويلها الى نظام وعجلة إنتاج رغم كل الظروف، فيما يجتهد كل عضو في هذا النظام لإثبات يقظة ضميره الشخصي وحسن انتمائه الوطني عبر المؤسسة، سنطمئن بأن مسارنا في الحياة يسير في الاتجاه الصحيح ونتقدم ونرقى بقوة دفع العقول الإدارية الراقية عندما نطبق هذه المعادلة عمليًّا.. فالإنسان هو المكسب الرئيس الأول والآخر.

 

لا بد من تحقيق التوازن العاطفي والعقلاني ووجوب الحفاظ على العلاقة الجذرية بين أمان الفرد (الموظف) وأسرته وضمان حركة العمل باطمئنان في حالة الطوارئ، إذ يوفر كل منهما للآخر أسباب النجاح والتقدم والعطاء بلا حدود.

 

المؤسسة الحكومية الناجحة والخاصة أيضًا ركن هام من أركان الدولة الناجحة الحضارية القوية القادرة على تجاوز الأزمات والكوارث الطبيعية وكل ما هو طارئ، وذلك لوجود خطط استراتيجية جاهزة في الأحوال العادية، وخطط للطوارئ ترسم فيها كل الاحتمالات وتهيأ لها كل المستلزمات والأدوات والإمكانيات المادية والبشرية، فالمؤسسة التي تعمل بقدرة وكفاءة عاليتين في الأحوال العادية، سنراها في حالة الطوارئ في أعلى درجات الجهد والقدرة مع اعتبار النسبة والتناسب بين الظرف الطارئ والحالة الطبيعية العادية، ولكن ذلك لا يتم إلا بوجود عقل مدبر، وضمير حر يسير ماكينة العمل، حيث يتم استغلال الممكن لتقديم أفضل ما يمكن، ففي مثل هذه الظروف يعبر الفرد (الموظف) حسب موقعه ومرتبته على مصداقية إيمانه وصواب فلسفته ومنهجه في الحياة.

 

المؤسسات القائمة على عقيدة عمل متأصلة في منهج حياة الفرد والمجتمع، وتتجسد في القوانين واللوائح وقرارات الناظمة لمسارات حركة الحياة العملية اليومية ستتمكن من النجاح، والسبب هو الطابع الإنساني العقلاني المعكوس على الخطط الاستراتيجية والطارئة الناظمة لحركة عجلة الحياة عندما نتحدث عن مؤسسات حكومة دولة، وعن مؤسسة لا حكومية خاصة، ومن دون هذه الميزة فإنَّ دولاً ومؤسسات عظمى قد تنكسر أو تنهار أو قد تصل إلى حد التفكك والإفلاس حتى لو كانت مصنفة تحت بند البلاد أو المؤسسات القوية، والسبب أنّها لم ترتكز على رافعة أخلاقية إنسانية، أما الأحداث والكوارث والمخاطر فإنّها أحسن امتحان لبيان قدرات الدولة أو المؤسسة على النجاح ونجاعة وجدوى المنظومة الأخلاقية الإنسانية الفردية والجمعية في تكوين جبهة كمناعة وحماية.