شهدت المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة ثورة على الذات، وانتصرت لذاتها، وهويتها، وتاريخها، ولحقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية بتصويتها للقائمة المشتركة. نعم كان التصويت في الانتخابات للكنيست الـ23 تحولًا نوعيًا في مسار وسيرورة الدفاع عن المصالح الوطنية الفلسطينية في مواجهة التغول والبلطجة والعنصرية والكراهية الصهيونية، التي قادها ويقودها كل قطاع الطرق قادة اليمين المتطرف في الموالاة والمعارضة على حد سواء.

ردت الجماهير الفلسطينية الصفعة قوية على وجوه نتنياهو وبينت وليبرمان وغانتس، وأيضًا على وجه قادة الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح وكل من حاول ان يعطل دور ومكانة الصوت الفلسطيني في الإنتخابات البرلمانية يوم الإثنين الماضي. وذهبت إلى صناديق الاقتراع كما لم تذهب من قبل، حافزها الأساس حماية ذاتها وشخصيتها الوطنية، ورد الهجمة الصهيونية الجبانة، التي ما فتئت بالتحريض المتواصل والمستمر، وصب الزيت على نيران الكراهية والعنصرية الصهيونية الوحشية.

أدركت الجماهير الفلسطينية العربية في داخل الداخل أن معركة القائمة المشتركة، معركتها هي، وانتصار القائمة، انتصار لها، وصون لحقوقها بالحد الأدنى، في تعزيز مكانتها في داخل دولة الاستعمار الإسرائيلية، والرهان على مضاعفة الجهود لأعضاء القائمة في العمل من أجل زيادة الموازنات للمجالس القطرية، ووقف عمليات الهدم التي تقودها حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف، ورفع مستوى الكفاح ضد قانون "أساس القومية للدولة اليهودية" العنصري، وانتزاع قرار لإعادة النظر في التنظيم الهيكلي للمدن والبلدات الفلسطينية، والاعتراف بالقرى الفلسطينية في النقب غير المعترف بها، ووقف هدم قرية العراقيب، وتكريس القائمة المشتركة رقما صعبا في المعادلة الإسرائيلية، بالإضافة لمواجهة صفقة القرن، والحؤول دون تنفيذ عمليات التطهير العرقي في المثلث أو غيرها. والدفاع عن خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967.

لم تشهد المدن والبلدات والقرى الفلسطينية تصويتا في تاريخها، كما حصل يوم الإثنين الماضي، حيث فاقت عملية التصويت في جزء كبير منها كل التوقعات، ووصلت بعضها إلى نسبة 99% من سكانها اصحاب حق الإقتراع لصالح القائمة المشتركة. وهذا التحول النوعي لم يأت من فراغ، انما نتاج الجهود الشجاعة والدؤوبة، التي بذلها أعضاء القائمة وانصارهم في أوساط الجماهير، أضف إلى ان الشعب رفض البقاء على الحياد في معركة التحدي مع العنصرية الصهيونية، وعليه فإن عاملاً أساسيًا وقف وراء ذلك، هو التحريض والكراهية الصهيونية، التي قادها نتنياهو وزمرته الفاشية.

هذا الإنجاز الكبير والأول للقائمة المشتركة بحصولها على 15 مقعدًا في الكنيست منذ أن دشنت دولة الاستعمار الإسرائيلية برلمانها، يعتبر سابقة تاريخية في مسيرة ومسار وصيرورة القائمة المشتركة، ويعطيها مصداقية أكبر في أوساط الشارع الفلسطيني في دولة اسرائيل، ويعمق مكانتها كقطب أساس لا تستطيع أن تقفز عنه كل القوى الصهيونية المعادية للشعب العربي الفلسطيني. صحيح خسرت رئاسة المعارضة في ظل نتائج الانتخابات، ولكنها كانت وما زالت بقوة رقمًا مهمًا، وسيكون لها باع هام في المشاركة في العديد من  اللجان، ورئاسة بعضها الآخر في الكنيست الـ23.

التحول الكيفي الذي حدث في الانتخابات الأخيرة للكنيست، له استحقاقات على قيادة وأقطاب القائمة المشتركة لجهة الإرتقاء إلى مستوى الحدث كممثلين للجماهير الفلسطينية في مناطق الـ48، وتجاوز الواقع غير الإيجابي، الذي كان سائدا بين اقطابها، وقواها السياسية فيما مضى، ووضع آليات عمل جديدة تتفق وطبيعة اللحظة السياسية، التي تعيشها دولة الاستعمار الإسرائيلية والإقليم والعالم. ولتحمل مسؤولياتهم السياسية كرموز للنضال الوطني الديمقراطي داخل دولة إسرائيل الاستعمارية.

انتصار القائمة المشتركة، كان انتصارا لكل الشعب العربي الفلسطيني في كل بقاع الأرض، وليس في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وعليه يفترض دعمها بكل الوسائل والمنابر المحلية والعربية والإقليمية والدولية لتشكل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني.