أمس الأول الإثنين انتخبت إسرائيل برلمانها للدورة الـ23، والتي لم تحمل جديدًا في معادلة توازن القوى بين التكتلين الأساسيين: تكتل اليمين المتطرف بزعامة الليكود، وتكتل يمين الوسط بزعامة أزرق - أبيض "كاحول لافان". وما زالت الدولة الإسرائيلية حتى اللحظة الراهنة تنتظر مفاجأة ما، قد يفجرها المتهم بالفساد، نتنياهو لإحداث اختراق في معضلة الاستعصاء لتشكيل الحكومة الجديدة. 
نعم تقدم الليكود بقيادة المتهم بالفساد في الانتخابات، وهو الجديد غير الوحيد في هذه الانتخابات، حيث يتراوح عدد المقاعد، التي تمنحه إياها استطلاعات الرأي ما بين 36 و37 إن لم يكن أكثر. لا سيما وأن أعداد الجنود لم يتم فرزها حتى إعداد هذا المقال، والنتائج النهائية لم تعلن بعد. ويعود الفضل في نجاح الحملة الانتخابية لليكود للجهود غير العادية، والشيطانية، التي قادها نتنياهو، رغم قضايا الفساد الثلاث المتهم بها. لم يستسلم، وتمكن من كسر كل المحظورات، وعمم وسيد وشرع الفساد في الحكم الإسرائيلي الصهيوني، خاصة وأنها المرة الأولى التي يخوض فيها مرشح للانتخابات البرلمانية، وهو ملاحق بقضايا الفساد. وهذا يعكس واقع المجتمع الصهيوني الاستعماري، القائم على التزوير والكذب والنفاق والجريمة المنظمة. فبدل أن يُنبذ زعيم الليكود الفاسد، قام الجمهور الإسرائيلي بالانحياز له، والتصويت لصالحه، لأنه يعبر خير تعبير عن مصالحهم الاستعمارية البغيضة، وكونهم غارقين حتى آذانهم  بسياسات التضليل والخديعة، وأسرى اللايقين بمستقبلهم. 
وأيضًا لأن منافسه غانتس ما زال حديث العهد في اللعبة السياسية، ولم يتمكن من مجاراة الثعلب الصهيوني، المتربع على سدة الحكم أكثر من عقد من الزمن بِشكلٍ متواصل. كما أن زعيم كاحول لافان لم يتميز نهائيًا عن نتنياهو، فتمت المنافسة على البضاعة الاستعمارية الفاسدة ذاتها. وعليه الجمهور الإسرائيلي اختار اللاعب الأصلي، وترك الكومبارس يلهو في حساباته الصغيرة. وإذا توقفنا أمام المفاصل الأساسية، التي تبناها زعيم أزرق أبيض، نجد أنها ذات الشعارات والأهداف، التي رفعها نتنياهو، أولاً: وافق على صفقة القرن المشؤومة؛ ثانيًا: رفض خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ ثالثًا: مع ضم القدس، العاصمة الفلسطينية؛ رابعًا: مع ضم الأغوار الفلسطينية؛ خامسًا: مع رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم وفق القرار 194؛ سادسًا: تساوق حتى بالمعنى التكتيكي مع منطق نتنياهو وليبرمان برفض التعاون مع القائمة المشتركة، وخضع لابتزاز الإثنين، ولم يحاول أن يتميز ولو بدرجة صغيرة على هذا الصعيد؛ سابعًا: لعب في ذات الملعب اليميني الصهيوني، لأنه لا يملك إلا الرؤية الصهيونية الرجعية المعادية للسلام. وبحسابات الربح والخسارة في أوساط اليمين المتطرف وغير المتطرف، اختارت الغالبية منهم ملك الديماغوجيا، والمتهم بالفساد، ومالك الكاريزما القيادية. 
مرة أخرى أؤكد أن فوز الليكود في انتخابات الدورة الـ23 للكنيست الإسرائيلي لا يعني تجاوز اليمين عقدة تشكيل الحكومة، لأن كل استطلاعات الرأي حتى اللحظة الراهنة تشير إلى أن تكتل اليمين في أحسن الأحوال لا يتجاوز الـ60 مقعدًا، وهو ما يحول دون تشكيل الحكومة. وهو يحتاج إلى أحد الخيارات أو السيناريوهات التالية: أولاً: أن يستقطب ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتينو"، الذي أعلنها صريحة أمس الأول، أنه لن يشارك في حكومة بقيادة نتنياهو؛ ثانيًا: أن يتمكن من شراء ذمم بعض أعضاء تكتل أزرق أبيض، وهذا الأمر غير مستبعد من حيث المبدأ، لكنه ليس سهلا. وقد يكون الثمن عاليا من خلال تخصيص منصب رفيع في الحكومة المرتقبة لأي عضو يمكن استقطابه من التكتل المغاير؛ ثالثًا: هناك احتمال أن يلجأ لاستقطاب أحد تكتل "العمل غيشر ميرتس"، خاصة وأن مستقبل هذا التكتل غير إيجابية، وينحو نحو السقوط والاندثار، أو تفككه ثانية؛ رابعًا: الذهاب لانتخابات رابعة، وهو سيناريو مرجح جدا. 
باختصار الانتخابات الجديدة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، أن المجتمع الإسرائيلي يتخندق في خنادق الاستعمار، ويرفض خيار السلام والتعايش، وأسير الفساد والجريمة والإرهاب المنظم.