فعلاً صدق المثل القائل أن الجميل لا يكتمل (الحلو ما بيكملشِ بالعامية المصرية)، فلا بد أن تبرز نقطة أو أكثر تؤكد أن الكمال سواء للشكل أو الفكرة دومًا منقوصة، وأحيانًا متناقضة مبعثرة!
كما الحال مع ورقة "حماس" المقدّمة للدكتور حنّا ناصر بشأن الانتخابات العامة، والتي فُهمَت من البعض إيجابية، وفهمت من البعض الآخر بشكل سلبي، ولم يفهمها الآخرون لما حملته من غموض وغمغمة ورمادية طالما شابت كثير من أوراق حماس على سبيل المثال في ظل جولات الحوار المرهقة من بيانات وإضافات واستدراكات وغيرها من مسميات مطاطة تجعل من أي اتفاق بلا قيمة من حيث هو على الورقة فما بالك على الواقع.
أنا أقول "حماس" العجيبة هنا ، أو بيانها العجيب ليس في رغبة للتعليق على مضامين ورقة "حماس" التي حوت من الإشارات الإيجابية ما يثلج الصدر، ولكنَّها في المقابل أشارت لقضايا -سأتعرض فقط لواحدة- هي في قمة العجب والغرابة إن لم أستخدم مصطلح أشد!
تقول "حماس" في ورقتها إلى حنّا ناصر: (إنَّ إعلان رئيس السلطة الفلسطينية عن تقديم طلب لأخذ الإذن من الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس شكّل صدمة كبرى لجماهير شعبنا، وقواه الوطنية والمجتمعية، ولم يستوعب عقل فلسطيني واحد هذا الفعل الغريب، فمتى كان للاحتلال الحق في الوصاية على أرضنا ومقدستنا وشعبنا حتى نطلب منه الإذن لأي فعل أو تصرف في القدس)!؟
يا للهول! هل اكتشفت "حماس" اليوم هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، والمُرّة للأسف، وهي أننا مازلنا تحت الاحتلال؟!
الاكتشاف العجيب لـ"حماس" والنظر بعين واحدة، كان يجب أن يكون بعينين اثنتين لترى أنّ ما يقع من إذن يُطلب من الاحتلال بالضفة، هو يطلب من العدو أيضًا في غزة الواقعة قسرًا تحت سلطة حماس، سلطتها، وتحت الاحتلال الصهيوني؟ لكل شيء ومنها للماء والهواء أيضًا؟
"حماس" المصدومة من الإذن لإجراء الانتخابات بالقدس، تنسب الصدمة الكبرى للجماهير، وتنأى بنفسها عن الصدمة! فتجعل النُطق وكأنّه جاء من أفواه الجماهير في محاولة لاستغباء للناس والقوى الوطنية! فتجعلها مصدومة مما تعلمه وتعيشه يوميا! وهي التي تفهم المعادلة -وتتعامل معها بمقاومتها وثباتها بالأرض- مرغمة بحكم قوة الاحتلال؟
حسب ورقة حماس لا يستوعب عقلها الموضوع–أيضا تنسب عدم الاستيعاب للعقل الفلسطيني-وكأن المواد الغذائية تدخل الى غزة رغما عن أنف الاحتلال؟ أو كأن الكهراباء تدخل الى غزة أو الضفة رغما عن إرادة الاحتلال وليس بإرادته؟ وكل شؤون الحياة!؟
هل من طفل فلسطيني لا يفهم معنى الأذونات للعمل، والأذونات لجواز السفر لنا جميعا، والأذونات للحركة، في غزة والضفة، وغيرها العشرات والتي منها أذونات دخول المواد الإنشائية والغذائية والوقود والأأموال القطرية لحماس...الخ؟ ناهيك عن أن ذلك مدون في اتفاقيات التهدئة الأمنية ضمن التنسيق الأمني بين "حماس" والاحتلال وحراسة الحدود، كما الحال في اتفاقيات "أوسلو"! (فوزي برهوم على قناة أقصى "حماس" 25-12-2019 للأسف يذهب بعيدًا ليسمّي الفعل استجداء، غير مدرك أنّه يقوم في غزّة بمثله يوميًّا!).
و"حماس" في بيانها تطالب: بـ"فرض العملية الانتخابية بالقدس علي الاحتلال فرضًا"! وكان من الممكن أن يكون هذا عنوانًا مهمًّا لتحقيق الوحدة الوطنية، وخوض المعركة بالقدس وفلسطين والعالم نعم، من خلال تحرك مشترك ومقاومة وصمود وبرنامج وخطة، وليس من خلال الطعن والشماتة والتشتيت والتناقض بقدح الآخر فيما جاء في ورقتها وأشرنا له.
"حماس" تنسب "الصدمة" للجماهير وتنسب "عدم الاستيعاب" للعقل الفلسطيني وتفترض أن هذا "الفعل غريب"! بينما الغريب هو استغرابها واستهجانها لما يفعل غيرها، وهي ما تفعله أي ذات الفعل يوميا مع الاحتلال الصهيوني! أليس هذا الغريب وغير المستوعب والصادم هو طريقة التفكير المتناقضة والمتضاربة في داخل حماس ذاتها؟
جلّ ما تريده "حماس" من بيانها العجيب هو سحب وقع الرنين الإيجابي في بيانها الذي يتوجّب أن يتضمن بشكل أو آخر التعريض برئيس السلطة أو الحكومة إبرازًا لتميزها الدائم في ثنائية لا تستطيع التخلي عنها، مقابل الآخر حتى لو قدمت ذلك بتناقض لذاتها أو تناقض بين قولها وفعلها أو تناقض بإدانة الفعل ليس لذات الفعل وإنما لمن قام به! فإن قمت أنا بالفعل السيء فهو جيد وإن قام غيري بالفعل الجيد أو السيء فكلاهما سيء! أليس هذا هو ما لا يفهمه العقل الفلسطيني!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها