في الذكرى الخامسةِ لاستشهادِ الفدائيِّ زياد أبو عين نتوقّفُ لنُنْصِتَ إلى ما أرادَ أنْ يقولَهُ لنا ولأعدائنا لحظةَ استشهادِه، فلم يكنْ زيادُ عبثيًّا أو مغامرًا يجهلُ نتائجَ أفعالِهِ، لكنّهُ ظلَّ مواظبًا على الوفاءِ لالتزامِهِ بالوطنِ كما علّمتْهُ "فتح". والالتزامُ لا يعني مجرّدَ مواصلةِ الفعلِ المقاوِمِ على الأرضِ، لكنّهُ يحدّدُ الهدفَ من وراءِ كلِّ خطوةٍ يخطوها. ورغمَ أنّ زياد كان مثابرًا على التّواجدِ في مركزِ دائرةِ الاستهدافِ الإسرائيليِّ، فإنَّه لم يكنْ يبحثُ عن الموتِ، بل كان رحّالةً يحملُ على ظهرِهِ حُلمَ شعبِهِ بالحياةِ والحريّةِ ويتنقّلُ بهذا الحُلمِ من متراسٍ إلى آخر. لم يكن يبحثُ عن الموتِ، لكنّهُ لم يهربْ منهُ أو يخشاهُ. لذلكَ كانَ دقيقًا في اختيارِ لحظةِ الرّحيلِ، فقد أعدَّ لها طوالَ حياتِهِ كيْ لا تفاجئهُ. اختارَ الأرضَ وأشجارَ الزيتونِ وعدساتِ المصوّرينَ وكلَّ ما امتلكَ المحتلُّ منْ بطشِ الكراهيّةِ، وقالَ لنا وهو يحملُ علمَ فلسطينَ: انتبهوا جيّداً! إنّني أستعدُّ للرحيل، فاستمعوا لوصيّتي!

 

كان زياد أبو عين مناضلاً فتحويًّا استثنائيًّا في كلِّ تفاصيلِ حياته. فلا أحدَ غيرَ زياد حظي بسبعةِ قراراتٍ من الأممِ المتحدةِ تطالبُ أمريكا بعدمِ تسليمهِ إلى دولةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ. ورغمَ السنواتِ الطويلةِ التي قضاها في المعتقلاتِ الإسرائيليّةِ، ورغم صدورِ حكمٍ بإعدامِهِ، فإنَّه كان يعودُ بعدَ كلِّ مرّةٍ يتنزعُ فيها حرّيتَهُ إلى مواصلةِ المهمّةِ التي اعتقِلَ بسبَبِها، وهو في ذلكَ مثالٌ للتصميمِ على عدمِ إعطاءِ الفرصةِ للعدوِّ لإدخالِ الخوفِ والتّردّدِ إلى عقلِ وقلبِ الفدائيِّ، ومهما استخدمَ العدوُّ من أدواتِ القمعِ والتعذيبِ، فليس بقدرتهِ التفوّقُ على إرادةِ المقاومةِ وخيارِ الانحيازِ إلى الهمِّ الوطنيِّ. لا يتّسعُ المجالُ هنا لسردِ المهامِّ التي كُلّفَ بها زياد أبو عين، لكنَّ ما يجمعُ بينَها خيطٌ واحدٌ، وهو وجودُهُ الدّائمُ في المتراسِ الأوّلِ على خطوطِ المواجهةِ مع الاحتلالِ، دونَ إهمالِ واجبِ القيامِ بدورِهِ التنظيميِّ داخلَ حركةِ "فتح" وضمنَ أطرِها القياديّةِ. وهذا سببٌ يضافُ إلى غيرِهِ من الأسبابِ التي جعلت من زياد حالةً تعلو هامتُها على ما حولَها، وهو تمايزٌ لم يكنْ هدفُهُ إبرازُ الذّاتِ بقدرِ ما كانَ يهدفُ إلى خطفِ انتباهِ قنّاصي العدوِّ نحوَهُ هوَ ليحمي منْ معهُ. هكذا أنشأ زياد أبو عين مدرسةَ المقاومةِ الشعبيةِ وأغناها بالمضمونِ النضاليِّ المقاوِمِ الذي أصبحَ عبئًا على الاحتلالِ وخيارًا يمكنُ لشعبِنا اعتمادُهُ كوسيلةٍ فعّالةٍ يجبُ العملُ على تطويرِها لتصبحَ سلوكًا شعبيًّا شاملاً.

 

لم يكن اغتيال زياد أبو عين سوى تطبيقٍ لحكم الإعدامِ الذي أصدرَهُ الاحتلالُ بحقّهِ قبل سنواتٍ طويلةٍ، فقد أدركَ العدوُّ حجمَ الخطرِ الذي يمثّلهُ زياد ومدرسةُ المقاومةِ الشعبيةِ على الاحتلالِ والاستيطانِ الاستعماريِّ. وعلينا أنْ نُنصِتَ جيّدًا لما أرادَ باستشهاده "أمامَ كاميراتِ التلفزيون" أنْ يقولَهُ لنا، فلا شيء يعلو فوقَ واجبِ مواصلةِ المقاومةِ اليوميّةِ ضدَّ كلِّ أشكالِ الاحتلالِ والاستيطانِ، ولا مجالَ للرّكونِ إلى اليأسِ والتقاعسِ عن أداءِ الواجبِ أو الاكتفاءِ بألقابِ المناصبِ وبريقِها الخادِعِ. سيبقى زياد أبو عين في ذاكرةِ شعبِهِ مع كلِّ الفدائيّينَ الذين آثروا تلبيةَ نداءِ واجبِهم بمقاومةِ المحتلِّ. أمّا المتثاقلون إلى الأرضِ فلا مكانَ لهمْ في ذاكرةِ شعبنِا ولا في صفحاتِ تاريخِهِ التي خطّها الشهيد زياد أبو عين ومن سبقهُ ولحقَهُ من الشّهداءِ.

 

* استشهاد زياد أبو عين.. انتصارُ الدّمِ على السّيفِ.

 

١٠-١٢-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان