تحتلُّ انتفاضةُ الحجارةِ مكانَ الصّدارةِ في قائمةِ المحطّاتِ المفصليّةِ التي تشكّلُ بمجموعِها مسيرةَ النضالِ الوطنيِّ الهادفةَ إلى التخلّصِ من تبعاتِ النكبةِ الكبرى وما حلَّ بشعبِنا نتيجةً للغزوةِ الصهيونيةِ وتشريدِ جزءٍ كبيرٍ من هذا الشّعبِ واحتلالِ كلِّ وطنِه. ولعلَّ انتفاضةَ الحجارةِ هي المحطّةُ الثانيةُ بعد انطلاقةِ الثورةِ المسلّحةِ في ١-١-١٩٦٥ على يد فدائيي حركةِ "فتح" وروّادِ الوطنيّةِ الفلسطينيّةِ المعاصرة. لقد شكّلت انتفاضةُ الحجارةِ تجسيدًا عمليًّا خلّاقًا لفكرِ حربِ الشّعبِ التي نادت بها "فتحُ" ومارستْها منذُ انطلاقتِها، وعملت بشكلٍ دؤوبٍ على ترسيخِ فكرِتها داخلَ الوطنِ المحتلِّ، وهو ما أشرفَ عليهِ ورعاهُ أميرُ الشهداءِ خليل الوزير "أبو جهاد" ورفاقُ دربِهِ الذين تفرّغوا لنقلِ ثقلِ الحركةِ الوطنيّةِ الفلسطينيّةِ إلى أرضِ الوطنِ، خاصةً في ظلِّ الظروفِ المعقّدةِ التي أحاطت بالثورةِ الفلسطينيّةِ بعدَ خروجِ قوّاتِها من لبنانَ إثْرَ ملحمةِ الصمودِ في بيروتَ ومعركةِ الدفاعِ عن القرارِ الوطنيَّ المستقلِّ في طرابلس. وبهذا تكونُ ذكرى انتفاضةِ الحجارةِ محطّةً يجبُ التوقّفُ عندَ نتائجها التي غيّرت طبيعةَ الصّراعِ مع المشروعِ الصهيونيِّ ومعَ أدواتِهِ جيشًا ومستوطنينَ وعملاء.
لا يمكنُ إنصافُ انتفاضةِ الحجارةِ إلّا بالتركيزِ على الثورةِ التي أحدثتها في منظومةِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ داخل الوطنِ. لقدْ كانت أساسَ الانتفاضةِ وأداتَها وقاعدتَها الوحدةُ الوطنيّةُ الصّلبةُ حولَ أهدافِ تلكَ الانتفاضةِ وأساليبِ نضالِها ووحدةِ قيادتِها الميدانيّةِ التي هي ذراعُ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ وصاحبةُ القولِ الفصلِ في كلِّ ما يتعلّقُ بالإدارةِ الميدانيةِ للانتفاضة. وقد شكّلَ الإجماعُ الشعبيُّ حول الانتفاضةِ رافعةً للوحدةِ الوطنيّةِ وحافزًا لإبرازِ النماذجِ الإيجابيّةِ وتنميةِ روحِ العملِ الجماعيِّ والتكاتفِ والتكاملِ والاكتفاءِ الذاتيِّ والاستغناءِ عن كلِّ ما لهُ علاقةٌ بالمحتلِّ سواءً من الناحيةِ الاقتصاديةِ أو الإداريّةِ. ولا بدَّ أن نعيَ هذا الدّورَ المحوريَّ الذي قامت بهِ الانتفاضةُ إذا كنّا على درايةٍ ووعيٍ بالحاجةِ الملحّةِ لاستعادةِ الوحدةِ الوطنيّةِ التي نقفُ أمامَها الآن ونحنُ نتعرضُ لهجمةِ قوى معسكر الأعداءِ وعلى أكثرَ من جبهةٍ.
وتبقى المهمةُ المركزيّةُ التي أدّتْها انتفاضةُ الحجارةِ بجدارةٍ هي إجبارَ العدوِّ على التفاوضِ مع منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ والبحثِ معها عن طريقةٍ لإيجادِ حلٍّ للصراعِ عن طريقِ التفاوضِ. لقد كانَ هذا الإنجازُ ثمرةَ الانتفاضةِ الأهمَّ والأكبرَ أثرًا في مسيرةِ النضالِ الفلسطينيِّ، فبعد سنواتٍ قليلةٍ من حصارِ بيروتَ، وبعدَ استخدامِ سياسةِ تكسيرِ العظامِ والقتلِ ونسفِ البيوتِ ضدَّ انتفاضةِ الحجارةِ، عادَ صاحبُ سياسةِ تكسيرِ العظام- إسحق رابين- ليعترفَ أنَّ جيشهُ واحتلالَهُ ومستوطنيهِ عاجزونَ عن إجبارِ شعبِنا على رفعِ الرايةِ البيضاء. هذا هو السببُ المباشرُ الذي دفعَ حكومةَ العدوِّ للتفاوضِ مع ممثلِ الشعبِ الفلسطينيِّ وما نتجَ عن ذلك من توقيعِ تفاهماتِ أوسلو. لقد عادت القيادةُ التاريخيّةُ ومعها المقاتلون الذين صمدوا في بيروت ولم يستسلموا لجيشِ شارونَ يمارسون دورَهم داخلَ الوطنِ وبين جماهيرِ شعبِهم. وبهذا تكونُ انتفاضةُ الحجارةِ هي سفينةَ عودةِ أبو عمّار ورفاقهِ من حصارِ بيروتَ إلى أرضِ فلسطين، وليس منّا من ينسى أو يتناسى أنّنا مدينونَ للانتفاضةِ وأبطالِها بعودةِ الثّقلِ في مشروعنا النضاليِّ إلى مكانهِ الطبيعيِّ، وهو الوطن. هذه مسلّمةٌ لا بدَّ أنْ يأخذَها بعينِ الاعتبارِ كلُّ من يحتلُّ موقعًا في مؤسساتِ السلطةِ الوطنيّةِ، فلولا الانتفاضةُ ما كان لهُ موقعٌ ولا كانَ هناكَ سلطةٌ وطنيّةٌ.
*ثقافةُ الوحدةِ الوطنيّةِ التي جسّدها أبطالُ انتفاضةِ الحجارةِ هي النّداءُ الأخيرُ والأبديُّ من سلسلةِ نداءاتِ القيادةِ الوطنيّةِ الموحّدةِ للانتفاضةِ، ونحنُ مطالبونَ بالوفاءِ لهذا النداءِ والعودةِ إلى الوحدةِ، فهي سلاحُنا الاستراتيجيُّ الأكثرُ إيلامًا للعدوِّ.
٩-١٢-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها