الرئيس محمود عبّاس أبو مازن، رمز سيادي للشعب الفلسطيني، وشعبنا الذي يقدر ويحترم قادته الوطنيين سيرفض محاولات حماس تحويل مؤسسة الرئاسة إلى مجرد (مكتب خدمات) فقد عجزت إدارة ترامب، وعجز نظام تل ابيب عن فرض اشتراطاتهم، وعلى حماس الكف عن العبث مع الكبار العظماء من قادة شعبنا.
فرسالة حماس المكتوبة لم تكن ردا وإنما مذكرة اشتراطات، ويمكن اعتبارها مذكرة اعتقال للنظام السياسي الفلسطيني ولكن بصيغة مغايرة، ولا نتجنى على أحد إذا اعتبرناها محاولة لنسف ما تبقى لنا من السلطات على الأرض بعد اغتيال السلطة التشريعية برصاص انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة بقوة السلاح منذ العام 2007. محاولة حماس تفجير خريطة طريق الانتخابات التشريعية لا تحتاج لكثير من الذكاء لاكتشاف مواضعها ومكامنها والغرض منها.
ادعى محترفو المراوغة وتفجير الألغام في درب الوحدة الوطنية أنهم سلموا الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية ردا مكتوبا على رسالة الرئيس محمود عباس للفصائل والمتطلبات اللازمة قبل إصدار المرسوم الرئاسي لتحديد موعد الانتخابات، لكن بعد التأني في قراءة نص الرد (الاخواني الحمساوي) في وسائل الاعلام تبين لنا أن فرع الاخوان المسلمين في فلسطين (حماس) قد استمرأ الانقلابات على النظام والقانون الأساسي الفلسطيني، وفرض (اشتراطات) على القيادة الشرعية بعد أن غلفها المتلاعبون بالكلمات وحولوها إلى (متطلبات)، واضحة الأهداف نعتقد أنهم فخخوا ردهم المكتوب بها لتنفجر في وجه القيادة الشرعية، فالإلزام وهو المعنى الحقيقي للاشتراط، أما تهيئة أشياء أساسية أو أعمال يطلب تحقيقها فهي معنى المتطلب والفرق بينهما واضح تماما!! وإليكم التالي:
اشترط مشايخ حماس في بند (هاء) تحت عنوان المتطلبات: "-حل موضوع حقوق نواب المجلس التشريعي وفق القانون الأساسي" أما في بند (واو) فقد اشترطوا: "تشكيل محكمة الانتخابات من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية الكاملة وتحييد المحكمة الدستورية وأي محكمة أخرى عن التدخل في الانتخابات ونتائجها".
إذا نظرنا للبند (هاء) حيث تم تعويم مصطلح (حقوق) دون تحديد ماهيتها، إن كانت مادية أو قانونية من حيث الشرعية والصلاحية يعني إبقاء المجال مفتوحا لنسف عربة الانتخابات حتى لو وافقت القيادة على صرف مستحقات مالية لهم، وإذا تعمقنا في قراءة هذا البند سنكتشف أن حماس ومعاونيهم على الانقلاب جماعة دحلان سينالون مكافأة ليست مالية وحسب بل شهادة براءة من جريمة الانقلاب وسفك الدماء وجرائمهم التالية، وآخرها محاولاتهم نزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس!! ألم يعقدوا جلسة خاصة لهذا الغرض وأرسلوا رسائل إلى برلمانات ورؤساء حكومات عربية وأجنبية كان مصيرها سلال المهملات؟!.
يكمن في البند (و) انقلاب مزدوج: الأول على شرعية الرئيس وقراراته بقوة القانون الصادرة عنه حسب الصلاحيات الممنوحة له والمنصوص عليها في القانون الأساسي منذ اليوم التالي لانقلاب حماس عام 2007، ففي هذا البند يشترطون تحييد المحكمة الدستورية وأي محكمة أخرى واعتبارها كأنها لم تكن، أي الغاء قرار الرئيس في نيسان/ ابريل 2016 الخاص بتشكيل المحكمة الدستورية العليا، تتكون من قضاة محاكم، وأكاديميين وخبراء في القانون الدستوري ومحامين.. وبذلك تتمكن حماس من قنص رأس هرم السلطة القضائية الفلسطينية، لتتحول النزاعات بين السلطات الثلاث وواجباتها واختصاصاتها إلى صراعات حقيقية تستنزف جسم السلطة الوطنية الفلسطينية وتفرغ القانون الأساسي من مضمونه، أما موضوع تشكيل محكمة انتخابات مركزية فهذا أمر بديهي كانت اللجنة المركزية لحركة فتح قد درسته وطالبت حماس بالموافقة على محكمة مركزية تكون مسؤولة عن النظر بملفات الشكاوى المرفوعة إليها عن الانتخابات والبت فيها واصدار القرارات بشأنها.
ليس من حق حماس اشتراط (تحييد الدستورية العليا) نظرا لتداخل العلاقة بين قانون الانتخابات والقانون الأساسي وقرارات الرئيس بقوة القانون وكذلك صلاحيات محكمة الانتخابات، فهذه الأمور مجتمعة تحتاج لرقابة عليا تؤكد دستورية القوانين والأنظمة. وتفسر نصوص القانون الأساسي والقوانين في حال التنازع حول حقوق السلطات الثلاث وواجباتها واختصاصاتها، الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من جهة قضائية أو جهة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها.
نعتقد ونحن بكامل وعينا ومعرفتنا لمنهج مستخدمي الدين لأغراض سلطتهم الشخصية والمادية أن إخفاء بعض الكلمات عن قصد ثم محاولة إظهارها وكأنها كتبت بحبر سري واضح وجلي في رد حماس فقد ورد فيه ما يلي: "تؤكد الحركة على إجراء الانتخابات استنادا إلى قانون الانتخابات مع عدم الزام القوائم الانتخابية أو المرشحين بالتوقيع على أية اشتراطات سياسية مسبقة ومن حقها تبني البرامج السياسية التي تراها مناسبة وتعبر عن قناعاته".
لم يكتب مشايخ حماس رقم وتاريخ قانون الانتخابات المقصود، لأنهم يعلمون تماما أن قانون الانتخابات رقم 1 لسنة 2007 الذي صدر عن الرئيس بقرار بقوة القانون، ووقع على صفحاته الأربعين بتاريخ 2 أيلول/ سبتمبر من العام 2007 هو الساري المفعول، أما القوانين السابقة فقد الغيت، ولأنهم يعلمون الفارق بين قانون 9 لسنة 2005 وقانون رقم 1 لسنة 2007 فقد كتبوا "استنادا الى قانون الانتخابات" دون تحديد القانون المقصود، وسنكشف للقراء هذا الفارق الذي ما كان لهم أن يكملوا ويكتبوا عبارة "مع عدم الزام القوائم الانتخابية أو المرشحين بالتوقيع على أية اشتراطات سياسية مسبقة" لو أنهم حددوا رقم القانون والسنة الصادر فيها، ففي البند 6 من المادة 45 في الباب السادس تحت عنوان الترشح لعضوية المجلس التشريعي ما يلي: "يشترط في المرشح ضمن قوائم عضوية المجلس ما يلي: 6- أن يلتزم بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبوثيقة الاستقلال وبأحكام القانون الأساسي"، فيما نص البند 5 من المادة 36 من ذات القانون في الباب الخامس وتحت عنوان الترشح لمنصب الرئيس على التالي: "يشترط في المرشح لمنصب الرئيس: "5- أن يلتزم بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبوثيقة الاستقلال وبأحكام القانون الأساسي".. ونعتقد أن إغفالهم رقم القانون وسنة صدوره مقدمة لدخول الانتخابات دون الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وهذا بحد ذاته مخالف للقانون الأساس الفلسطيني الذي على ركائزه رفعت مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، التي أنشئت بقرار المجلس المركزي الفلسطيني في العام 1993، وتم تأكيد ذلك في مقدمة القانون الأساسي وتحديدا في هذه العبارة: "وفي الوقت نفسه فإن وضع هذا القانون، وإقراره من قبل المجلس التشريعي، ينطلق من حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني"... وقد يكون مفيدا لكل من يعتقد بقدرته على الالتفاف والمناورة واستخدام اللغة والخطاب السياسي كاستخدامه للهلام أن يراجع نص القانون الأساسي ويحسب كم مرة ورد فيه مصطلح (الشعب الفلسطيني) ومنظمة التحرير الفلسطينية ليدرك حقيقة أن السلطة ومؤسساتها منبثقة عن مؤسسات المنظمة، وأن الالتزام بالمنظمة يسبق أي التزام حزبي أو فصائلي، ومن هنا كان تأكيد الرئيس في رسالته للفصائل بأن الانتخابات ستكون حسب القانون ألاساسي وقانون الانتخابات 2007.
لم نسمع في حياتنا السياسية أن حزبا سياسيا يشترط على رئيس الدولة المخول بإصدار المراسيم شكل ومضمون والتواريخ التي سترد في المرسوم الخاص بالانتخابات، وكأن (لا الناهية) في رد حماس مجرد نكهة أو بهارات كلام وليست شرطا تحاول فرضه على الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني فقد جاء في نص الرد المكتوب: "لا تمانع الحركة من إجراء الانتخابات التشريعية يتبعها الانتخابات الرئاسية من خلال مرسوم رئاسي واحد وضمن تواريخ محددة بحيث لا تزيد المدة بينهما عن ثلاثة أشهر".
ألغام "حماس" وحبرها السري في "مكتوب الرد"

30-11-2019
مشاهدة: 308
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها