تقرير: عماد فريج
تمام الساعة الخامسة من صباح يوم الجمعة التاسع والعشرين من تشرين أول 2004، مروحيتان أردنيتان تحطان في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، ليبدأ الفصل الأخير من حياة الرئيس ياسر عرفات، الذي أفنى حياته في النضال من أجل حرية وطنه وشعبه من الاحتلال.
في ذلك الصباح، أطل "أبو عمار" محمولاً على الأكتاف، وبدت علامات المرض الشديد على وجهه وجسده النحيل، إلا أن الابتسامة لم تفارق محياه، ونثر القبلات على الآلاف من أبناء شعبنا الذي تجمعوا بعفوية، وتسلقوا أسوار المقاطعة لوداع القائد الأب. أشار "أبو عمار" بعلامة النصر، قبل أن تقلع المروحية متوجهة إلى الأردن، ومنها إلى العاصمة الفرنسية باريس.
وصل الرئيس عرفات إلى مستشفى "بيرسي" العسكري، وبذل الأطباء الفرنسيون محاولات لتشخيص حالته وعلاجه، تجاوب مع العلاج في البداية، قبل أن تنتكس حالته فجأة ليدخل في غيبوبة في الثالث من تشرين الثاني، وينقل إلى وحدة العناية المركزة. وفي فجر يوم الخميس الرابع من تشرين الثاني 2004، سلم الرئيس عرفات الروح، بعد نحو شهر من صراعه مع المرض.
واستذكرت سهى عرفات، الأيام والساعات الأخيرة من حياة "أبو عمار": "كان يروي لي أحداثا من طفولته هو وشقيقه فتحي في منزل جدهما خليل أبو السعود في البلدة القديمة في القدس، وكيف توفيت أمه زهوة وهو ما زال طفلاً في الرابعة من عمره".
وأضافت: "ذكرى أبو عمار لا تغيب عنّا أنا وابنته زهوة، في كل موقف وحدث يجري على الساحة الفلسطينية وحتى الدولية، نتساءل: لو كان أبو عمار على قيد الحياة ماذا كان سيقول، ماذا كان سيفعل". .
وأشارت إلى أن العائلة تفتقده في كل مناسبة خاصة ابنته زهوة. "كنا نتمنى لو كان حاضراً في حفل تخريجها من الجامعة، لقد كان حريصا ويوصيني دوماً أن تكمل تعليمها الجامعي في أفضل جامعات العالم، وهذا ما تحقق".
واستعادت عرفات من ذاكرتها العديد من الأحداث والمواقف للرئيس "أبو عمار"، "لم يكن ينسى أحداً من أبناء شعبه، يقدم المساعدة لمن يطلبها، يفكّر في الجميع، لا ينام أكثر من 4 ساعات، ويستيقظ من النوم أحياناً لمتابعة أدق التفاصيل من حياة أبناء شعبنا، ويطمئن عليهم".
وأضافت: "كان بريد الشعب الفلسطيني، يحمل هموم شعبه وقضيته ويجوب العالم، مستقلاً طائرته الصغيرة التي تتسع لـ11 راكباً، ومتحدياً كافة الصعوبات والمخاطر".
وبعد مرور 15 عاماً على استشهاد "أبو عمار"، ما زال لغز مرضه ووفاته قائماً، رغم أن العديد من القرائن تشير إلى أن إسرائيل اغتالته.
وأكدت عرفات أن "أبو عمار" مات مسموماً بناءً على كافة التحاليل والفحوصات الطبية التي أجريت للكشف عن سبب وفاته. وقالت: "أبو عمار مات مسموماً ألف بالمئة، هذا ما تثبته كافة الوثائق".
وكان علماء سويسريون كشفوا عن وجود مادة البولونيوم المشع في رفات الراحل وفي التربة الموجودة تحت جثمانه، بعد فتح ضريحه عام 2012 لاستخراج عينات للتحقيق.
ودعت عرفات إلى مواصلة التحقيق في ظروف استشهاد "أبو عمار"، للوصول إلى الحقيقة الكاملة وإطلاع الشعب الفلسطيني عليها.
وأحيا الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، اليوم الاثنين، الذكرى السنوية الـ15 لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات، كما تشهد العديد من عواصم العالم فعاليات لإحياء ذكرى هذا الثائر الأممي، بينما منعت حركة "حماس"، سلطة الأمر الواقع، أبناء شعبنا من إحياء الذكرى في قطاع غزة.
"كيف لهم أن يمنعوا إحياء ذكرى استشهاده؟ أبو عمار رجل الوحدة الوطنية الذي بذل نفسه وحياته من أجل حرية وكرامة شعبه، ورفض التنازل عن الثوابت". تساءلت سهى عرفات.
وأضافت: "إحياء ذكرى أبو عمار، هو حفاظ على إرث الشعب الفلسطيني وتاريخ نضاله الذي تجسده رمزية هذا القائد الخالد".
وتابعت: "حماس تحاول فرض سلطتها في غزة بالقمع والقوة، وقرابة 2 مليون من أبناء شعبنا رهائن لها، يعيشون في ظروف إنسانية واقتصادية صعبة، إلى متى ذلك؟ أبو عمار ناضل من أجل بناء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، دولة منفتحة لجميع مواطنيها مسلمين ومسيحيين وحتى يهود".
وأكدت عرفات أهمية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، لإعادة الوحدة بين شطري الوطن، ولمواجهة كافة التحديات المحيطة بالقضية الفلسطينية، مشيرةً إلى أنها وابنتها زهوة تقفان خلف الرئيس محمود عباس وتدعمان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقالت: "الأخ أبو مازن خيارنا الأول والوحيد، لأنه أكمل مسيرة ونهج الخالد أبو عمار، ولم يتنازل عن ثوابت وحقوق أبناء شعبه، وقال (لا) في وجه الإدارة الأميركية ووقف سداً منيعاً أمام كل المؤامرات التي تستهدف قضيتنا الوطنية".
وأضافت: "الرئيس أبو مازن حافظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وهو آخر القادة التاريخيين لشعبنا".
ووجهت عرفات رسالة لكافة أبناء شعبنا بضرورة التوحد وإنهاء الانقسام والحفاظ على إرث الرئيس الشهيد ياسر عرفات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها