بدايةً لا بدَّ من التأكيدِ على أنَّ ربْطَ الموافقةِ على إجراءِ انتخاباتِ المجلسِ التشريعيِّ بضرورةِ تنظيمِ انتخاباتٍ لاختيارِ أعضاءِ المَجلِسِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ يعني بالضّرورةِ التّهرّبَ من الانتخاباتِ داخلَ فلسطين، لأنَّ "المحاربينَ" من أجلِ انتخاباتٍ تشملُ الفلسطينيّينَ في أماكنِ وجودِهِم كافّةً يعلمونَ جيّدًا أنَّ هذا شرطٌ تعجيزيٌّ لا يمكنُ تحقيقُهُ، ففي أحسنِ الأحوالِ يمكنُ تنظيمُ تلكَ الانتخاباتِ في المخيّماتِ الفلسطينيّةِ في لبنان، ومعَ تقديرِ دورِ تلكَ المخيّمات ومكانتِها، لكنّها لا تمثّلُ سوى شريحةٍ من الشّتاتِ الفلسطينيِّ. ويكفي أنْ نشيرَ إلى أكبرِ تجمّعٍ لشعبِنا خارجَ الوطنِ وهم أهلُنا الموجودونَ في الأردن بكلِّ ما يحملُهُ هذا الوجودُ من خصوصيّةٍ تجعلُ وضعَ شعبنا هناكَ أمامَ حتميّةِ الاختيارِ بينَ "وطَنَيْنِ" مجازفةً لا طائلَ من ورائها. كما أنَّ من السّذاجةِ أن نتوقّعَ منَ الأنظمةِ التي تحرمُ شعوبَها من حقِّ اختيارِ ممثّليها أنْ تتبرّعَ بالموافقةِ على منحِ أبناءِ شعبِنا هذا الحقَّ، وهي التي تمنعُ عنهم الهواءَ ورخصةَ العملِ ولا تسمحُ لهم حتّى بتطويرِ شبكاتِ الصّرفِ الصحيِّ. فهلْ يمكنُ لتلكَ الأنظمةِ أن تسمحَ للفلسطينيِّ بأنْ يكونَ نموذجًا يقتدي بهِ مواطنوها ليطالِبوا بـ"المساواةِ" في أوطانِهِم مع اللاجئ المحرومِ من وطنِه؟

 

ليست منظّمةُ التّحريرِ الفلسطينيّةُ حكومةً يتمُّ منحُ الثّقةِ لها أو سحبُها منْها من قِبَلِ "برلمانٍ" يُنتَخَبُ كلَّ عدّةِ سنواتٍ، ولو كانت كذلكَ لما ظلّت محافِظةً على طبيعَتِها الجبهويةِ التي تعطي حقَّ التّمثيلِ في مؤسّساتِها القياديةِ لممثّلي تنظيماتٍ أو أحزابٍ أو قوى لا يمكنُها الفوزُ بجزءٍ يسيرٍ من أصواتِ النّاخبينَ لو تُرِكَ الأمرُ للانتخابِ المباشِرِ من الشّعب. وبهذا حافظت المنظّمةُ على التمثيلِ "الإجباريِّ" لأقلِّ القوى تأثيرًا وهو ما زادَ مناعَتَها ضدَّ التشكيكِ بوحدانيّةِ تمثيلِها لشعبِنا. ولمْ يبدأ التّشكيكُ بهذا التّمثيلِ سوى بعدَ أنْ ظهرت حركةُ "حماس" وأصرّت على رفضِ الانضمامِ إلى المنظّمةِ، وهو رفضٌ نابعٌ من عقليةٍ لا تؤمنُ بالشّراكةِ ولا بالالتزامِ برأي الأغلبيةِ أو بالحوارِ كوسيلةٍ للتوصّلِ إلى التوافقِ ورسمِ السياساتِ ووضعِ الخططِ الكفيلةِ بالمضيِّ قُدُمًا نحوَ إنجازِ أهدافِ مشروعِنا الوطنيِّ. 

 

لا يمكنُ لأصحابِ العقليّةِ الانقلابيّةِ أن ينحازوا إلى خيارِ الاحتكامِ إلى الشّعبِ، ولو كانَ قرارُ الشّعبِ يهمّهم لما قاموا أصلاً بانقلابِهم ولما صادروا حقَّ البلديّاتِ والجامعاتِ والمنظّماتِ الشّعبيةِ باختيارِ هيئاتِها وممثّليها. هذا لا يعني الكفَّ عن محاولاتِ إجبارِهم على الموافقةِ على إجراءِ الانتخابات، لكنّ المبالغةَ في التّفاؤل لا تجدي نفعًا. صحيحٌ أنّ "حماس" قد وصلتْ بمشروعِها الانقلابيِّ إلى طريقٍ مسدودٍ، لكنَّ الصحيحَ أيضًا أنّها لن توافقَ على انتخاباتٍ يمكنُ أنْ تجبرَها على الاستسلامِ لإرادةِ الشّعبِ والتخلّي طوعًا عن سيطرتِها على قطاعِ غزّةَ، لأنّ هذه السيطرةَ قد جعلت الفئةَ المتنفّذةَ في "حماس" مدمنةً على السّطوِ على الممتلكاتِ العامّةِ والأراضي الحكوميّةِ، ومستفيدةً من حالةِ الفقرِ التي يعيشُها أهلنا في غزّةَ لتعيشَ هي وتزدادَ ثراءً من رَيْعِ التهريبِ والأنفاقِ وسرقةِ عائداتِ التّيارِ الكهربائيِّ والضّرائبِ، ومنْ فرْضِ الأتاواتِ على الدّاخلين إلى القطاعِ والخارجينَ منهُ، دونَ أنْ تكفَّ ولو للحظةٍ عن التباكي على معاناةِ شعبِنا منَ الحصارِ ومن آثارِ الاعتداءاتِ الإسرائيليّةِ المتكرّرة.

 

السُّلطةُ الوطنيّةُ هي أداةُ شعبِنا لتكريسِ السّيادةِ على الأرضِ وتوفيرِ ضروراتِ صمودِهِ في وطنِهِ، ولأنّها مسؤولةٌ عن ممارسةِ كلِّ مهامِّ الدّولةِ رغمَ أنفِ الاحتلالِ فإنّها يجبُ أن تخضعَ للاستحقاقِ الانتخابيِّ الدوريِّ من أجلِ تجديدِ الحياةِ في مؤسّساتِها، وهي ليستْ ساحةً للانقلاباتِ واستخدامِ السّلاحِ لحسمِ الخلافاتِ مهما كانَ حجمُها. وفي المقابلِ علينا التّمسُّكُ بمنظمةِ التّحريرِ الفلسطينيّةِ ككيانٍ معنويٍّ يضمُّ شعبَنا كلّهُ حيثما كان موجودًا، دونَ أنْ نقعَ في فخِّ مساواةِ المنظّمةِ بالسّلطةِ، لأنَّ شرعيةَ المنظّمةِ نابعةٌ من قيادتِها لمسيرةِ شعبنِا الطويلةِ في نضالِهِ لانتزاعِ حقوقهِ الوطنيّةِ. أمّا الانتخاباتُ العامّةُ فستكونُ أساسَ نظامنا السّياسيِّ عندما ننجزُ أهدافنا الوطنيّةَ تحتَ قيادةِ المنظّمةِ وتبدأُ مرحلةُ الدّولةِ المستقلّةِ التي يشاركُ الشّعبُ كلّهُ في بنائها وترسيخِ دعائمِ وجودِها وفي مقدّمةِ تلكَ الدعائمِ الانتخاباتُ الدّوريّةُ النزيهةُ كأفضلِ ضمانةٍ لتطبيقِ مبدأ تداوُلِ السّلطةِ.

 

*اشتراطُ الموافقةِ على إجراءِ انتخاباتِ مؤسّساتِ السُّلطةِ الوطنيّةِ بإجراءِ انتخاباتٍ مماثلةٍ للمجلسِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ ليس سوى شرطٍ تعجيزيٍّ يطرحُهُ أصحابُ العقليّةِ الانقلابيّةِ التي لا تؤمنُ أصلاً بثقافةِ تداوُلِ السّلطةِ عبرَ اللجوءِ إلى الشّعب.

 

٤-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان