ليستْ الحركاتُ الثّوريةُ حزبًا آخرَ يضافُ إلى قائمةِ الأحزابِ التي تتمُّ إجازةُ أو "ترخيصُ" عملِها وفقًا للشروطِ التي يُحدِّدها القانونُ ويُلزِمُ بها كلَّ من يرغبُ في المشاركةِ في العمليةِ الدّيمقراطيّةِ والالتزامِ بشروطِها ثمَّ الاستفادةِ من هذهِ المشاركةِ من خلالِ طرحِ البرامجِ واستقطابِ المؤيّدينَ لها والعملِ على الوصولِ إلى مركزِ القرارِ عبرَ خوضِ الانتخاباتِ والالتزامِ بنتائجِها. فالحركةُ الثّوريةُ تأخذُ على عاتِقِها مسؤوليّةَ إنجازِ المهامِّ التي تعبّدُ الطريقَ أمامَ الشّعبِ ليتمكّنَ من انتزاعِ حرّيّتِهِ وتنظيمِ صفوفِهِ ووضعِ القوانينِ التي تُحدّدُ أطُرَ حياتِهِ الديمقراطيّةِ وتنظّمُ بناءَ مؤسّساتِهِ. الشّرطُ الأولُ إذن لممارسةِ الحياةِ الديمقراطيّةِ هي الحريّةُ، ولا حرّيةَ دونَ الاستعدادِ للتّضحيةِ والكفاحِ الدؤوبِ، وهي مهمّةٌ تفوقُ قدراتِ الأحزابِ وتحتاجُ دومًا للحركاتِ الثّوريّةِ لإنجازِها. وبينما تحتمِلُ الحياةُ السياسيّةُ اليوميّةُ إمكانيّةَ وجودِ غالبيّةٍ من "المستقلّين" العازفينَ عن الانضمامِ إلى أحزابٍ محدّدةٍ، فإنَّ مرحلةَ الكفاحِ من أجلِ انتزاعِ الحريّةِ تتطلّبُ إضافةً إلى الحركةِ الطليعيّةِ مشاركةَ الغالبيةِ السّاحقةِ من الشّعبِ وبمستوياتٍ مختلفةٍ، وهنا يصبحُ مصطلحُ "المستقّلينَ" في هذهِ المرحلةِ أقربَ إلى وصْفِ التقاعُسِ والنّكوصِ عن أداءِ الواجب.

 

للحالةِ الفلسطينيّةِ شروطُها وخصوصيّتُها التي تجمعُ بينَ ضرورةِ التمسّكِ بالحركةِ الثّوريةِ الطليعيّةِ وواجبِ الاحتكامِ إلى الشّعبِ لاختيارِ ممثّليهِ المُكلّفينَ بتوفيرِ ما يلزمُهُ للصمودِ كممرٍّ إجباريٍّ في طريقهِ لتحقيقِ أهدافِهِ وأوّلُها الحريّةُ. من هنا يجبُ الحذرُ من الزجِّ بكلِّ رصيدِ الحركةِ الثوريةِ في تفاصيلِ العمليةِ الديمقراطيةِ والتركيزُ بدلَ ذلكَ على الفَصْلِ بينها وبينَ من تريدُ لهم أنْ ينفّذوا بِاسمها مهامَّ البناءِ وتوفيرِ شروطِ الصّمودِ دونَ أنْ تخضعَ الحركةُ بكلِّ تاريخِها وأهدافِها الكبرى لمَنطقِ الفَوزِ والخسارةِ الانتخابيّةِ. وعندما نتحدثُ عن الحركةِ الثّوريةِ الطليعيّةِ فإنَّما نعني قبلَ كلِّ شيءٍ منظمةَ التحريرِ الفلسطينيّةَ بصفتها جبهةً وطنيّةً توافَقَ الشّعبُ على أنْ تكونَ أداتَهُ للجَمْعِ بينَ قواهِ التي تكفّلتْ بإنجازَ مهمتّهُ الأولى بالوصولِ إلى الحريّة.

 

تستطيعُ التنظيماتُ والفصائلُ والقوى المختلفةُ أن تخوضَ انتخاباتٍ تخصُّ النصفَ الصامدَ في الوطنِ من الشّعبِ الفلسطينيِّ، ولها أن تختارَ ما تفرضهُ الانتخاباتُ من وسائلِ الوصولِ إلى عقولِ وقلوبِ النّاخبينَ وإقناعِهم بصوابِ هذا البرنامجِ أو ذاك، لكنّ الواجبَ يستدعي أن نتعاملَ مع الانتخاباتِ بحجمِها وبحدودِها، ومَهْما كانَ شكلُ ولونُ من يحالفُهُ الجهدُ والحظُّ للفوزِ فيها فلا يجبُ أن تحجبَ عن أعينِنا حقيقةَ أنَّ كلَّ ما يتعلقُ بالشأنِ الوطنيِّ العامِّ يبقى ضمنَ صلاحيّاتِ منظمةِ التّحريرِ الفلسطينيّةِ بما تشكّلهُ من حاضنةٍ شاملةٍ تمثّلُ شعبَنا في أماكِنِ وجودهِ كافّةً في الوطنِ والمنفى، وبصفتِها مصدَرَ شرعيّةِ كلِّ ما يتعلّقُ بمرحلةِ البناءِ الانتقاليّةِ داخلَ الوطنِ. ويُعتبرُ الحرصُ على دورِ المنظّمةِ بعيدًا عن تجاذباتِ الانتخاباتِ مقياسًا للوعيِ بأهميّةِ الاحتفاظِ بهذهِ الأداةِ النّضاليّةِ أمينةً على الأهدافِ الكبرى لشعبِنا. ومن هنا علينا أن نتعاملَ بمقدارٍ كبيرٍ من الشكِّ بنوايا من يربطُ بينَ الانتخاباتِ في الوطنِ كأداةٍ لتعزيزِ الصُمودِ، وبينَ "انتخاباتٍ" يصعُبُ تخيّلِ كيفيّةِ تنظيمِها لإعادةِ تشكيلِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّة، فاشتراطُ استخدامِ نفسِ الأداةِ في الحالتَيْنِ هو تهرّبٌ من استحقاقِ الانتخاباتِ في الوطنِ، وهو تعبيرٌ عن الجَهْلِ بطبيعةِ المنظّمةِ أو محاولةٌ للمسِّ بمكانتِها ولتجاوزِ دورِها، ولعلَّ المحرّكَ الأوّلَ لهذا التوجّهِ هو الوَهمُ بإمكانيّةِ السيطرةِ على المنظّمةِ وإفراغِها من مضمونِها الوطنيّ.

 

*الانتخاباتُ استحقاقٌ لتصويبِ ما أفسدَهُ الانقلابُ على الشّرعيةِ الوطنيّةِ، ولا يجوزُ ربطُها بشروطٍ تعجيزيّةٍ لا هدفَ من ورائها سوى التهرّبِ من هذا الاستحقاقِ.

 

٣-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان