ليسَت هناكَ قضيّةٌ ارتبطَ تاريخُها بالأمَمِ المتّحدةِ كما هي قضيّةُ فلسطينَ، وهي القضيّةُ التي وَجدت الأممُ المتّحدةُ نفسَها في مواجهةِ تعقيداتِها منذُ أن تأسّست هذه المنظمةُ في تشرين الثاني/أكتوبر ١٩٤٥ بعد انتهاءِ الحربِ العالميّةِ الثانية مباشرةً وكردّةِ فعلٍ على فشلِ سابقَتِها -عُصبةِ الأمَمِ- في الحفاظِ على الأمنِ والسّلمِ الدّولِيَيْنِ وفي تجنيبِ البشريةِ أهوالَ ومآسي الحربِ العالميةِ الثانية. فبعدَ سنَتَيْنِ من إنشائها تبنّت الجمعيةُ العامّةُ قرارَها رقم ١٨١ الخاصَّ بتقسيمِ فلسطينَ في سابقةٍ خطيرةٍ تمثّلتْ بتقسيمِ أرضِ شعبٍ دونَ أخذِ رأيهِ في الحسبانِ، وأحدثتْ بِدعةً في القانونِ الدّوليِّ حينَ اتّخذتْ قرارَاً بإنشاءِ الدّولةِ الصهيونيّةِ فوقَ جزءٍ من أرضِ فلسطينَ متجاوزةً حقائقَ التاريخِ والجغرافيا ومتجاهلةً الطبيعةَ السّكانِيّةَ ومتنكّرةً لكلِّ مبادئَ العدالةِ واحترامِ حقِّ الشّعوبِ بتقريرِ مصيرها. وقد حاولت الجمعيّةُ العامّةُ التكفيرَ عن جزءٍ من جريمتِها بحقِّ شعبِنا وذلكَ عندما أصدرَت في كانون الثاني/ ديسمبر ١٩٤٨ القرارَ رقم ١٩٤ الذي يكفلُ حقَّ اللّاجئينَ الفلسطينيّينَ بالعودةِ إلى بيوتِهم التي هُجّروا منها وبالتّعويضِ عن كلّ ما تعرّضوا لهُ من خسائرَ ماديّةٍ ومعنويّة. لكنَّ هذهِ المحاولةَ للانتصارِ ولو جزئيًّا لحقِّ شعبِنا في وطنِهِ ظلّت فارغةً من المضمونِ وغيرَ قابلةٍ للتطبيقِ بسببِ عدَمِ وضْعِ الآليّاتِ المُلزِمةِ لتنفيذِ القرار ١٩٤ ليظلّ شاهداً على الظُّلمِ التاريخيِّ الذي لحقَ بشعبِنا نتيجةً لقرارِ التقسيمِ.
يعودُ الفضلُ لشعبِنا ولتضحياتِهِ وصمودِهِ ونضالِهِ المتواصِلِ بقيادةِ منظّمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ في إعادةِ القضيّةِ الفلسطينيّةِ لتحتلَّ مكانَ الصّدارةِ في جدولِ أعمالِ الأممِ المتّحدةِ وهيئاتِها ومنظّماتِها المختلفةِ، وقد شكّلَ الخطابُ التاريخيُّ للشهيدِ للقائدِ أبو عمار أمامَ الجمعيّةِ العامّة عام ١٩٧٤ نقطةَ تحوّلٍ في طريقةِ تعاطي الأممِ المتّحدةِ مع القضيةِ الفلسطينيّةِ، وهو ما تمَّ التعبيرُ عنهُ في مئاتِ القراراتِ التي تتبنّى حقَّ شعبِنا في وطنِهِ وتؤكّدُ شرعيّةَ نضالِهِ ولا تعتَرفُ بسياسةِ الأمْرِ الواقِعِ التي تمارسُها دولةُ الاحتلالِ الاستيطانيِّ في فلسطين. وجاء قرارُ الأممِ المتَحدةِ في ٢٩-١١-٢٠١٢ بالاعترافِ بفلسطينَ كدولةٍ تحتَ الاحتلالِ تتمتّعُ بصفةِ مراقبٍ تتويجًا للمساعي الفلسطينيّةِ الهادفةِ إلى ترسيخِ الاعترافِ الدّولي بفلسطينَ وفرضِ الرّوايةِ الفلسطينيّةِ على جدولِ أعمالِ الأُسرَةِ الدّوليّة.
تشكّلُ الدورةُ السنويّةُ العاديّةُ للجمعيّةِ العامّةِ للأمَمِ المتّحدةِ، والتي يتم افتتاحُها في النّصفِ الثاني من أيلول/سبتمبر كلَّ عامٍ، مناسبةً فريدةً من نوعِها لمناقشةِ القضايا التي تهمُ الدّولَ الأعضاءَ، وتبقى قضيّةُ فلسطينَ في مقدّمةِ تلكَ القضايا. وتحتلُّ الدّورةُ الحاليّةُ التي ستبدأُ أعمالُها في نيويورك يومَ الثّلاثاءِ القادِمِ مناسبةً أمامَ السيّد الرئيسِ أبو مازن لنَقْلِ معاناةِ شعبِنا إلى هذا المنبرِ الدوليّ، وهي مهمّةٌ يواظِبُ رئيسُ فلسطينَ على القيامِ بها كلَّ عامٍ، حيثُ يصرُ على مواصلةِ حثِّ العالمِ على وضعِ حدٍّ لمأساةِ شعبِنا بإنهاءِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ وبإقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ وعاصمتُها القدسُ الشرقيّةُ على حدودِ الرّابعِ من حزيران/يونيو ١٩٦٧، وبتطبيقِ قراراتِ الشّرعيةِ الدّوليّةِ وعلى رأسِها القرارُ رقم ١٩٤، وما يكفلهُ من حقِّ العودةِ والتعويضِ للّاجئينَ الفلسطينيّين. ويستطيعُ رئيسُ فلسطينَ الذي يترأسُ مجموعة الـ٧٧ + الصّين، والذي سيلتقي رؤساءَ الدّولِ والحكوماتِ والوفودَ المشارِكةَ في الدّورةِ أن يعطي نموذَجاً للصمّودِ في وجهِ العنجهيّةِ والتعسّفِ الأمريكيِّ الذي وصلَ ذروتَهُ بقرارِ الاعترافِ بالقُدسِ عاصمةً لدولةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ، وما تبعَ هذا القرارَ من خطواتٍ أمريكيّةٍ بوقفِ المساهمةِ في موازنةِ منظمةِ "الأونروا" وقطعِ الدّعمِ عن المؤسّساتِ الفلسطينيّةِ بما فيها المستشفياتُ المقدسيّةُ. ورغمَ كلِّ ما تمارسُهُ الإدارةُ الأمريكيّةُ من محاولاتِ الضّغطِ والابتزازِ فإنّ موقفَ الشّعبِ الفلسطينيِّ وقيادتِهِ ظلَّ ثابتاً على رفضِ السياسيةِ الأمريكيّةِ ومستمرّاً في حشْدِ الدّعمِ للموقفِ الفلسطينيِّ. هذا الموقفُ الفلسطينيُّ مثالٌ يمكنُ لدُوَلِ العالَمِ وشعوبِهِ أنْ تقتدي بهِ في رفضِها للسياساتِ الأمريكيّةِ التي تستخدمُ التهديدَ والوعيدَ والحصارَ والعقوباتِ وسيلةً لفرضِ هيمنتِها والحفاظِ على مصالِحها على حسابِ مصالِحِ وأمْنِ واستقرارِ الشّعوبِ الأخرى.
*لنْ تستمرَّ الهيمنةُ الأمريكيّةُ على القرارِ الدوليِّ إلى الأبدِ، فنحنُ أمامَ عالَمٍ متغيّرٍ، وواجِبُنا هو استمرارُ فَرْضِ القضيّةِ الفلسطينيّةِ على جدولِ أعمالِ العالَمِ، وتبقى قناعتُنا دوماً أنَّ التَّغييرَ الحقيقيّ يبقى مرهوناً بصُمودِ شعبِنا فوقَ أرضهِ وبنضالِهِ المستمرِّ لإنجازِ حقوقِهِ الوطنيّة.
٢٢-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها