لا يُمكِنُ لفلسطينَ إلّا أنْ تقفَ معَ المَملَكةِ العربيّةِ السّعوديّةِ الشّقيقةِ عندَما يتعرّضُ أمنُها وسيادتُها وسلامةُ أراضيها للخَطرِ والاعتداءِ أيَّاً كانَ مصدُرُهُ، وليسَ هذا المَوقفُ الفلسطينيُّ سوى تعبيرٍ عن الالتزامِ الثّابتِ بالأمنِ القوميِّ العربيِّ كَكُلٍّ، وبأمنِ واستقرارِ كلِّ دولةٍ عربيّةٍ على حِدة، وهو موقفٌ دأبَتْ فلسطينُ على الالتزامِ بهِ أمامَ كلِّ محاولاتِ العبَثِ بعُمقِها العربيِّ. لقد أثبتتْ تجربةُ السّنواتِ الأخيرةِ وحالةُ الفوضى التي تعمُّ المنطقةَ أنّ الشّعبَ الفلسطينيَّ هو الخاسرُ الأوّلُ في حُروبِ الفِتنةِ العَمياءِ وما خلّفَتْهُ من دمارٍ وخرابٍ في غالبيةِ الدّولِ العربيّة، فقد تُرِكَ شعبُ فلسطينَ وحيداً في مواجهةِ العُدوانِ الإسرائيليِّ المتواصلِ والمدعومِ بشكلٍ سافرٍ منَ الإداراةِ الأمريكيّةِ. ولا يعني الالتزامُ الفلسطينيُّ بأولويّةِ الدّفاعِ عنِ الأمنِ القوميِّ العربيِّ أنْ نديرَ ظهرَنا إلى دُوَلِ الجوارِ، بل على العَكسِ من ذلكَ، تصرُّ فلسطينُ على التّمسّكِ بعلاقاتِ الأخوّةِ وحُسنِ الجوارِ معَ كلّ دُولِ الإقليمِ وتحثُّها على الالتزامِ بمسؤوليّاتِها تجاهَ أمنِ الإقليمِ واستقرارِهِ، وتَجنُّبِ كلِّ ما منْ شأنِهِ حَرْفُ الأنظارِ عن المخاطرِ التي تهدّدُ المنطقةَ، أو النّكوصُ عن واجبِ التّصدّي للخَطرِ المُحدقِ بفلسطينَ وشَعبِها وبمقدّساتِها الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ.
فلسطينُ هي الخاسرُ الأوّلُ نتيجةً للصّراعاتِ والفِتَنِ التي تعصفُ بالمنطقةِ، تماماً مثلما أنَّ دولةَ الاحتلالِ الاستيطانيّ الإسرائيليِّ هي المُستفيدُ الأوّلُ منها، وذلكَ لأسبابٍ عديدةٍ أهمُّها أنَّ الأمّةِ قد تمَّ إشغالُها بإطفاءِ الحرائقِ التي تأكلُ وحدتَها وتهدّدُ وجودَها، بكلّ ما يعنيهِ ذلكَ من إطلاقِ يدِ الدّولةِ الصّهيونيةِ للتفرّدِ بفلسطينَ ومواصلةِ سياساتِها الاستيطانيّةِ وعدوانِها وحصارِها وقرصَنتِها ضدّ شعبِنا. من هنا يجبُ أن لا نستغربَ من إصرارِ دولةِ الاحتلالِ على الزجِّ بنَفسِها لتكونَ جزءاً منْ تحالفٍ إقليميٍّ في مواجهةِ "الخطرِ الإيرانيِّ" المزعومِ، علماً أنَّ السياسةَ العدوانيّةَ الإسرائيليّةَ هي مَصدَرُ الخطَرِ الحقيقيّ الذي يُهدّدُ الأمنَ والاستقرارَ في المنطقة بأسْرِها. هذا لا يعني بالطّبعِ السّكوتَ على أيّةِ محاولةٍ من دُوَلِ الجوار، بما فيها إيرانُ، للتدّخّلِ في شؤونِ الدّولِ العربيّةِ، لكنّ القَصدَ هو التنبّهُ لما يسعى لهُ الحِلفُ الأمريكيُّ-الإسرائيليُّ من تأجيجِ الخلافاتِ كيْ تصلَ إلى صِراعٍ لا مبرّرَ لهُ.
لقد كشفَتْ الاعتداءاتُ الأخيرةُ على المرافقِ النّفطيّةِ في المَملكةِ العربيّةِ السّعوديّةِ عنْ هشاشةِ الوَضعِ في منطقةِ الخليجِ العربيِّ، وهي المنطقةُ التي يُمكنُ أن تشتعلَ فيها الحرائقُ بسهولةٍ، لكنَّ إطفاءَها سيحتاجُ إلى عُقودٍ من الزّمنِ، فلم تلتئمْ بعدُ جراحُ الحربِ العراقيّةِ-الإيرانيّةِ ولا جراحُ الاجتياحِ العراقيِّ لدولةِ الكُويتِ الشقيقةِ وما تلاهُ من حَربَيْنِ مدمِّرَتينِ ألحَقتا بالمنطقةِ خسائرَ بشريّةً وماديّةً باهظةً. وبدلاً من تَصعيدِ التوتّرِ يجبُ الذّهابُ إلى حوارٍ جدّيٍّ بينَ طرَفَيْ الخلافِ في الخليجِ العربيِّ ينطَلقُ منْ حلِّ الإشكالاتِ العالقةِ استناداً إلى مبادئِ حُسنِ الجوارِ وعدمِ التدخّلِ في شؤونِ المنطقةِ والتخلّي عن المقامَرةِ بمُستقبَلِها تحتَ أوهامِ بَسْطِ النّفوذِ أو "تصديرِ الثّورةِ". كما أنَّ تَحييدَ الدّورِ التخريبيِّ الأمريكيِّ لهُ الأولويّةُ في إعادةِ جُسورِ الثّقةِ بينَ الدّولِ العربيّةِ والجارةِ إيران، فأمريكا ليستْ معنيّةً لا بأمنِ المنطقةِ ولا بالحدِّ من النُّفوذِ الإيرانيِّ، وكلُّ ما يهمُّها هو المحافظةُ على مستوى مُعيّنٍ من التوتّرِ الخاضعِ للسيطرةِ بما يَسمحُ ببقاءِ الحاجةِ إلى الدّورِ الأمريكيّ بكلِّ ما يَجرّهُ على طرفَيْ الخلافِ وعلى أمنِ المنطقةِ واستقرارِها منْ مخاطر.
*وَقفُ الحَربِ العَبثيّةِ في اليَمنِ الشّقيقِ هو البدايةُ الفعليّةُ لإنهاءِ الخلافِ بين السّعوديةِ وإيران، ولنْ يتمّ ذلكَ إلّا بالانطلاقِ منْ مبدأ الحفاظِ على وحدةِ اليَمنِ ومصالحِ شَعبهِ واستقلالِهِ وعُروبَتِهِ بعيداً عن التدخّلاتِ الخارجيّةِ.
٢٣-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها