طفل يغرق في مسبح أو برميل ماء فيلقى حتفه، وطفل يُدهس بمركبة أهله الذين يستعجلون أمورهم وسفرهم دون انتباه، وثالث يسقط من علو؛ لأنّنا لم ننتبه له، وآخر تُغلق أبواب المركبة وهو بداخلها تحت أشعة الشمس؛ خوفا من إزعاجه لنا أثناء تسوقنا فيموت داخلها. نتحدّث عن الموت هادم اللذات، المصير المحتوم والمحقق.. لكنه بحق من؟! إنه بحق الأطفال وبراءتهم وطفولتهم وعفويتهم وانصياعهم الطفولي الفطري. نبكيهم أيامًا قليلة بعد وفاتهم وننسى فقدانهم لانشغالنا بهموم الحياة. ننسى نظراتهم الجميلة الممزوجة برسائلهم التي تقول لنا نحب الحياة كما نحبكم. نتشبّث بها كما تتشبّثون بها ونطمح للنجاح فيها كما تسعون أنتم. إنّنا نحبكم فارشدونا وعلمونا كيف نتصرف. إنّنا أطفالكم نكره الموت ولا نرغب به ونحب الحياة، احمونا من أنفسنا ولا تسمحوا لنا بقتل أنسفنا ولا بقتل طفولتنا وبراءتها . فنحن أبناؤكم سندكم فلذات أكبادكم، لكنّنا صغار والحياة لم تكسبنا بعد القدرة على تمييز ما هو خطر على حياتنا وما زلنا نجهل تصرفاتنا ولم نعرف الحياة على حقيقتها. هم يموتون فنبكيهم وننسى صرخاتهم المزعجة بلطف وود وحب ووئام ... صرخاتهم وتصرفاتهم الطفولية نحبها ونحب سماعها منهم. يرحلون وترحل معهم ضحكاتهم وابتساماتهم المرسومة على شفاههم.. يموتون ونتمنى حينها لو كنا نحن الأموات.
نعاتب أنفسنا ونحن قد نكون سببًا لموتهم، كما كنا سببًا لسعادتهم التي لم تدم طويلاً، ورغم أنّ السبب الأول "الموت" سيكون الأكثر إيلامًا لنا. فالسعادة شيءٌ مؤقت، لكن الموت أبدي. ذهبوا ولن يعودوا، وليتهم يعودون لنحافظ عليهم ولنرافقهم دون مفارقة لكنه أمر مستحيل. سنُفرحهم وننزههم ونسعدهم ونشتري لهم كل ما يطلبون ولكن!! أنّا يعودون لأنّهم رحلوا بلا عودة.. ناموا بلا استيقاظ.. قُتلوا بلا قتل.. جرحوا دون جرح.. ينزفون بلا دم.. يتنفسون بلا هواء.. ماتوا ولكن موتهم لا يشبه الموت لأنهم أحياء.. قُتلوا ولكنهم لا يشبهون القتلى لأنهم الأبرياء. فموتهم ليس موتًا، وقتلهم ليس قتلاً، وغرقهم ليس غرقًا، وخنقهم ليس خنقا فالله وعد بأن يكونوا طيور الجنة رحلوا وتركونا نبكي ونتحسر عليهم لكن ذاكرتنا حبلى بالمشاغل فننسى وننسى. نقتلهم بأيدينا وأفعالنا بدون قصد ولكن بسبب إهمالنا وعدم انتباهنا فكلنا نحب أطفالنا ولا نحب موتهم ونؤمن بان الأقدار والأعمار بيد الله جل جلاله ولكنه دعانا لنأخذ بالأسباب. نبكيهم بقلوبنا وعيوننا بكاءً شديدًا ونحترق عليهم ألمًا وحزنا عميقًا، ولكنّنا ننساهم بسرعة بلمح البصر نقتل بشرًا ولكن أي بشر.