كثرت خلال اليومين الماضيين التكهنات حول سفر الوزير ماجد فرج ـ مدير المخابرات العامة الفلسطينية إلى واشنطن كما أعلنت إحدى الصحف الإسرائيلية، ومن ثم كالعادة في زمن التجاذبات السياسية الفلسطينية، خرج السيد "أبو مرزوق" شاجباً هذه الزيارة -وكأنَّ الخبر في الإعلام الإسرائيلي بات من المسلّمات- ومعلناً أن "زيارة ماجد فرج مفاجأة صادمة ورفضنا الحوار مع أمريكا"، وهنا يأتي النفي من قِبل الدكتور "نبيل شعث" مستشار السيد الرئيس حيث صرح: "أن ما أشيع على لسان القيادي في حركة حماس ، موسى أبو مرزوق، حول وجود اللواء ماجد فرج في أمريكا ،عارٍ عن الصحة" وأضاف: "اللواء ماجد فرج متواجد في القاهرة وليس في واشنطن".
وحواري اليوم لا ينصبّ على كيفية التعاطي الفلسطيني مع ما ينشره الإعلام الإسرائيلي، ولا حول التجاذبات السياسية بين القِوىً الفلسطينية المتعددة، بل حول السؤال؛ وماذا لو ذهب الوزير فرج إلى واشنطن؟
وقد يكون من المفيد هنا التنويه على موقف القيادة الفلسطينية من الاتصال بإدارة "ترامب" وهو ما أكده بالأمس الناطق باسم القيادة الفلسطينية "نبيل أبو ردينة" تعقيبًا على ما يصدر من تصريحات لمسؤولين في الإدارة الأميركية حول تحقيق السلام، حيث أفاد: "إن منظمة التحرير الفلسطينية، تؤكد أنها لم ترفض في يوم من الأيام أية مفاوضات أو مبادرات لتحقيق سلام فلسطيني ـ إسرائيلي، يقوم على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وفي إطار قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تعتبر القدس الشرقية، أرضاً محتلة، وأضاف؛ أن منظمة التحرير الفلسطينية على استعداد تام لاستئناف العلاقات والاتصالات مع الإدارة الأميركية، إذا أعلنت التزامها بهذه المرجعيات".
وهذا الموقف الحديدي للقيادة الفلسطينية، هو الذي ساهم في وحدة الموقف الفلسطيني على كافة المستويات الرسمية والشعبية، ومن كافة أطياف الشعب الفلسطيني.
ولكن يبقى السؤال الأهم والأبرز؛ وماذا لو سافر الوزير فرج إلى واشنطن؟
وبالتأكيد أن الجميع يعرف بأن الوزير فرج هو "مدير المخابرات العامة الفلسطينية "، لذلك فهو بالشخص العادي، بل هو في الصف الأول من المسؤولين، ولا يُسمح له بالخروج عن الموقف العام الفلسطيني، ولكن هل ذهابه إلى واشنطن يعني أنه خان القيادة وخان الوطن، وخان الإجماع الوطني؟
بالقطع تأتي الإجابة بالنفي، لأن هذا ليس من عقيدة "الرجل" أو طبعه، أو من طبيعة عمله، فجهاز المخابرات هو خط الدفاع الأول ضد المؤامرات الخارجية، وهذا بأبسط العبارات ودون الخوض في التفاصيل.
ولكي نقرب الصورة إلى الأذهان بشكل أوضح ومن واقع الحال الذي نعيشه، دعنا نطرح صورة زيارات "الوفد الأمني المصري" المتكررة بين "غزة" و "تل أبيب"، والسؤال هنا لمصلحة من يعمل "أبطال" هذا الوفد؟
هل يعملون لمصلحة "تل أبيب"؟
أم أنهم يعملون لمصلحة أن غزة؟ أو أن تكون غزة "دويلة فلسطين الجديدة"؟
بالتأكيد أن " وفد المخابرات العامة المصرية " يعمل 100% لمصلحة جمهورية مصر العربية؛ في سلامة أمنها القومي، ووحدة وسلامة أراضيها، وما يتم تحقيقه من مصالح للأخريين ضمن هذا الإطار لن يضر مصر.
هذه هي المعادلة، فهل من أحد يشكك في ولاء أو إخلاص الوفد المصري لبلادهم؟!
وفي مقال سابق لي بعنوان: " الدبلوماسية الأمنية والعلاقة مع واشنطن " تم تعريف الدبلوماسية الأمنية بأنها " “هي تحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال التوظيف السلمي للموارد والقدرات الأمنية"، وطالبت الحكومة الفلسطينية باللجوء إلى هذه الدبلوماسية، من خلال السيد مدير المخابرات لعدة أسباب؛ أهمها الاضطراب والتردي في الأداء الدبلوماسي الأمريكي في العلاقة مع الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت؛ والوضع يتجه نحو الأسوأ.
وإذا لم نثق بمدير المخابرات الفلسطينية كما تثق الدول بمدراء أجهزة الأمن فيها، فبمن نثق؟!
هل علينا أن نثق ببعض القيادات العربية التي شطبت ما سطرته "المبادرة العربية" من أجل التطبيع مع الاحتلال؟
وهل الجلوس أمام "الخصم الأمريكي" يعني الهزيمة لنا، والنصر لهم، أيضاً هذا ليس صحيح!
الجلوس أمام الخصم كما يجلس الأبطال الشرفاء في العالم، يعني أننا أقوياء، وأننا قادرون على إدارة شؤوننا بأنفسنا، ولسنا في انتظار الأخرين ليديروا شأننا.
كما أن الرسالة واضحة ومباشرة من الشخص المسؤول بأننا نملك من الإجراءات الأمنية والوطنية ما يحرج "وحيد القرن" على مستويات عدة.
أخيراً وليس بآخرٍ، مسألة أين يتواجد الوزير فرج، وماذا يفعل؟ ليست من المسائل المطروحة للتداول والنقاش والتجاذبات السياسية، بل تعتبر من العيب لأنها تمس الكل الفلسطيني!
ولو كان في إمكاني أن أشير على الأخ "أبو بشار" لقلت: " استأذن السيد الرئيس في الذهاب إلى وكر الأفاعي، وأنت مسلّح بالتعليمات والثوابت الوطنية، وبصوتك الواثق أعلن رفضنا للمؤامرات، وقدّم بعضاً مما يمكن أن نعمل رداً على تصرفاتهم الغير محسوبة داخلياً وخارجياً، والتي بالتأكيد ستضع القيادة الأمريكية الحالية في مزيد من الإحراج والفشل"!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها