الإدارة الأميركية برئاسة ترامب وصبية إدارته، والحكومة الإسرائيلية المؤقّتة بقيادة نتنياهو وزملائه من العنصريين والمتطرّفين، كان لهم حسابات أخرى، ترامب شجَّع حليفه نتنياهو على اعتناقها، ونتنياهو شجّع حليفه ترامب على التدهور من أجلها إلى أقصى مدى، مدَّعين أنّ الأمور في أيديهم، سالكة جدًّا وخاصّةً الانقسام الفلسطيني الأسود، إلى أن بدأت المواجهة من قبل الحليفين مع الخصم الرئيس، القيادة الشرعية الفلسطينية على رأس شعبها، التي أدارت المعركة، وهي تمتلك رؤية حصينة مدعومة بقوة الحق، ومدعومة بقوة المعرفة اليقينية. فلقد أوغل ترامب إلى حدِّ الكارثة في اعتبار أنَّ الشعب الفلسطيني ليس له خيار سوى الركوع، والقبول بما هو منافٍ للحق والتاريخ والشرعية الدولية والقانون والميراث الحضاري، والتجربة السياسية العميقة، أوَليس ترامب مجرَّد سمسار عقارات سابق تكمن خبرته كلّها في أن يكذب على نفسه بإدمان حتى يصدق أكاذيبه، فينطلق بعد ذلك ليكذب على الشعب الفلسطيني وقيادة الشعب الفلسطيني، ويُبهر بعض المنبهرين العرب بلقطات الدعاية التلفزيونية الزائفة؟! وحينئذٍ يحدث كلُّ شيء كما يريد، وحليفه الغارق في الفساد نتنياهو يصفِّق له، ويضع لافتة تافهة بِاسم ترامب في الجولان، ويقبِّلان بعضهما بشكل مسرحي هزلي، وهذا كل شيء.
القيادة الفلسطينية قالت (لا).. لا لصفقة القرن، لا لورشة البحرين الفاشلة التي بلا مخارج إطلاقًا، والتي ذهب إليها جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب، ووجد من يصفِّق له قبل أن ينطق كلمة واحدة، فانتفخ كوشنير بالغرور، وظنَّ أنَّ كلمة "خمسون مليار دولار" منها ثمانية وعشرون للفلسطينيين، سوف تبهر الجميع، وسوف تحقِّق المعجزة، أنّه شخص عديم الذاكرة، لم يدرك أنَّ هؤلاء الفلسطينيين لهم خبرة كبيرة، وباع طويل في الصبر والمقاومة وصنع البدايات والقيامات، وأنّهم لديهم بدائل عن هذا العبث الأميركي والسقوط العنصري الإسرائيلي وبينما كان ترامب يخطط، ولا يزال لإزاحة كل مفردات القضية الفلسطينية من الطاولة، القدس، اللاجئين، حق العودة، "الأونروا"، الدولة المستقلة، فوجِئ بأنَّ الذي أزيح من التداول هو الدور الأميركي المنفرد، المصداقية الأميركية الأهلية المفقودة للرئيس ترامب، الذي تتراكم في طريقة صعوبات كبيرة في داخل أميركا وفي العالم، وكان يتوهَّم أنَّها ستصعد ثانية إذا استطاع النجاح مع الفلسطينيين، وإذا بهم سيصعقونه بقوة الرفض العميق، وقوة الحق التي لا يدركها الأغبياء، وقوة المعرفة تجعل أمثاله يظهرون صغارًا.
هذا انتصار كبير، يا قيادتنا الشرعية على رأس شعبنا، هذا انتصار كبير واجبنا الأول حمايته، ومتابعة امتداداته في الداخل والخارج، وصياغته في حياة جديدة، الحليفان المهزومان ترامب، نتنياهو صدقًا بعضهما، وأقاما على صدور أكاذيبها هيكلاً من وهم، هياكل الوهم تنهار، وهُما يعرفان أنّهما في خطّ النهاية، وفي طور السقوط النهائي، فهنيئًا لك يا شعب الجبّارين.