بعد أن انتهت زوبعة "مَن يشارك ومَن يقاطع" في ورشة البحرين، ثبتت بالوجه اليقين قدرة الموقف الفلسطيني على الثبات برفض المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، أو الدخول في بازار العروض الاقتصادية مقابل السلام، أيًّا كانت المغريات، ومهما زادت الضغوط.

فقد جاء الموقف الفلسطيني الذي عبَّر عنه الرئيس أبو مازن رأس الشرعية الفلسطينية حاملاً لموقف الكل الفلسطيني، ومؤكّدًا لموقف كرّره مرارًا، بأنَّه لن ينهي حياته، ولن يفرّط بأيٍّ من الثوابت والحقوق الوطنية، وثبت أنّ ذلك ليس عنادًا كما تصوّر البعض، وليس فقط حفاظًا على العهد بقدر ما هو قناعة شخصية لم تحركها "رياح التغيير" في المنطقة وفي العالم، ولا صلف الاحتلال، كما لم يضعفه صراخ الأصوات المرتجفة، ولا الضربات من تحت الحزام من "ذوي القربي".

إنَّ ورشة البحرين التي جاءت لتبشّر بالدعم الاقتصادي، من خلال ما حاول كوشنير تسويقه، حاولت بكلِّ السبل تشويه الموقف الفلسطيني، بأنه يرفض تحسين الظروق الاقتصادية لحياتهم، دون أن يتم طرح السؤال للتعرُّف على الجهة التي تحاصر الشعب الفلسطيني وتسرق أمواله، وحتى مياهه، وتدمّر مشاريعه، لأنَّ الإجابة معروفة، ولكنَّها محرجة للمنظِّمين. 

إنَّ الموقف الفلسطيني لم يُقلِّل يومًا من أهمية الدعم الاقتصادي، سواء كان ذلك من خلال مشاريع أو من خلال الدعم المباشر للموازنة العامة، بل حرص دائمًا على الثناء لمقدميها، وسعى بكل السبل لتكون ذات استدامة، وليس على شكل هبات، يكون الداعم أكثر المستفيدين منها، والتي تشير التقديرات إلى أنَّها تصل إلى ما يقارب 70%.   

نعم نرحّب كفلسطينيين بكلِّ دعم اقتصادي يسهم في تخفيف المعاناة عن شعبنا، ويدعم عجلة التنمية، ويخفف جحيم البطالة والفقر المعاش، لكن ثمّة إطار للربط بين الدعم الاقتصادي والحل السياسي الذي تصر إدارة ترامب ومن ارتضى أن يكون أداةً في مشروعه البائس على تجاوزه، بل إنَّ الحقيقة أنَّ الأمر ليس تجاوزًا فقط، بقدر ما هو استبدال عبر الحل الاقتصادي، وهو بالأساس مشروع نتنياهو وفكرته "السلام الاقتصادي". 

أمّا فيما يخص حالة الإحباط من المشاركة العربية في الورشة البائسة، فذلك لا يجعلنا نوقف مواصلة الفعل السياسي والإعلامي لإبقاء قضيتنا مركزية لدى العرب، وحية في أذهان وقلوب شعوبهم، الذين تحتضن أرضنا شهداءهم، والذين تُشكِّل تضحياتهم محلَّ اعتزاز تتناقله الأجيال، كاعتزازنا بقيام الشباب البحريني بتطهير ساحة الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع من دنس الصحفي الذي تفاخر بالتقاط الصور التذكارية أمامها، وما فعله الشباب البحريني، وكان مثله الشباب العربي، إلّا دلالة على صحة الاعتقاد أنَّ المراهنة على مواقف الشعوب الحية لا تخيب أبدًا.

بقلم: حسن سليم