انطلقت ورشة المنامة تحت عنوان براق يهدف إلى دعم الاقتصاد الفلسطيني وتحقيق الرفاهية لسكان الدولة الفلسطينية المنتظرة التي لم يتبق منها شيء بعد قيام الإدارة الأميركية الشعبوية الحالية بإعلان القدس بشطريها عاصمة لإسرائيل، وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، ناهيك عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

ولعلنا نستطيع قراءة التصور المستقبلي للحل السياسي المزعوم، إضافة إلى القرارات سالفة الذكر، من خلال تصريحات أولئك المكلفين بإدارة الملف الفلسطيني الاسرائيلي في الإدارة الأميركية مثل جاريد كوشنير وغرينبلات إضافة إلى سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان، فمن تصريح كوشنير أن إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل إنما يعكس الوقائع على الأرض، ومرورا بتصريحات غرينبلات ذات الصلة، وانتهاء بتصريح السفير فريدمان الأخير حول إمكانية ضم جزء من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، فإن ذلك كله يعد مؤشرا على الحل السياسي الذي تطمح الإدارة الأميركية إلى تحقيقه أو فرضه على الطرف الفلسطيني وعلى الأطراف العربية، خصوصا أن الإدارة الأميركية تدرك حاجة الدول العربية لدعمها من ناحية مالية وعسكرية وسياسية.

 ولا بد من الإشارة هنا إلى الموقف الشجاع الذي اتخذته القيادة الفلسطينية ويسجل لها من حيث عدم قبولها مقايضة الحل السياسي بحل اقتصادي مزعوم لا يرى من أثره شيئا، ويعتمد بشكل أساسي على تدفق أموال العرب وهي التي لم تنقطع يوما، أي الدول العربية، عن توفير الدعم والمساعدة لفلسطين، يدلل على ذلك قيامها مؤخرا بالاستجابة لطلب القيادة الفلسطينية بتوفير شبكة أمان مالي لمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية على مواجهة تداعيات الأزمة المالية التي تعصف بها نتيجة إقتطاع الحكومة الإسرائيلية عائدات الضرائب واجبة الدفع. وبالتأكيد فإن رفض القيادة الفلسطينية المشاركة في تلك الورشة قد أسقط الشرعية عنها، ولكن يتعين الانتباه مستقبلا إلى إحتمالية تطبيق مخرجات تلك الورشة بشكل مجزأ ما يساهم في إضعاف الموقف الفلسطيني.

ويكون السبيل لمواجهة تداعيات تلك الورشة بتمتين الجبهة الداخلية والحفاظ على تماسكها، خصوصا أن الفصائل الفلسطينية كافة أبدت موقفا موحدا يصلح أن يشكل رافعة لإعادة طرح موضوع المصالحة كمصلحة وطنية عليا لمواجهة أية تداعيات محتملة قد تعود بالضرر على القضية الوطنية والمشروع الوطني الهادف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

ولعل حضور بعض الدول العربية لتلك الورشة نابع من ضعف الموقف العربي بالعموم في مواجهة خصوم الداخل والخارج، ناهيك عن استخدام إيران كفزاعة من أجل إخافة العرب، خصوصا في منطقة الخليج العربي، وحثهم على عدم التفكير بالنزول من تلك القاطرة التي تقودها الولايات المتحدة حتى لو كلفهم ذلك، أي العرب، الكثير من المال والأثمان، وأقصد الأثمان السياسية التي يتعين عليهم دفعها مقابل تلك الحماية. إضافة إلى حاجة دول عربية أخرى للمساعدات الأميركية المالية والعينية ما حتم عليها المشاركة في تلك الورشة على طريقة "مكره أخاك لا بطل"، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى لا حاجة للخوض فيها درءا للمفاسد.

ويجدر الإشارة هنا أيضا إلى الموقف الأردني من المشاركة في تلك الورشة بمستوى تمثيلي منخفض يعكس الخشية الأردنية من احتمالات تأثير "صفقة القرن" الموعودة على استقرار الأردن السياسي مستقبلا من جانب، ويعكس التزام الأردن بالثوابت ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية وأهمها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض التوطين كمقدمة لتجسيد فكرة الوطن البديل على الأرض من جانب آخر. ولعلها رسالة واضحة وقوية للادارة الأميركية ملخصها ان الحل الاقتصادي يتبع الحل السياسي وليس العكس.
بقلم: المحامي د. ايهاب عمرو