غابت شمس الكنيست الـ٢١ وما حملتهُ من آثار سلبية وغير حميدة على وحدة وواقع القوى الفلسطينية العربية داخل دولة (إسرائيل)، التي لم تتمكّن حتى اللحظة الأخيرة من الحوارات البينية من تأكيد وحدتها، وترسيخ القائمة العربية المشتركة، فنزلت القوى الأربع في قائمتَين، ممّا ترك آثارًا وخيمةً على الشارع الفلسطيني في كلِّ الدنيا، وخاصةً داخل مدن الجليل والمثلّث والنقب والساحل، واستنكف قطاع واسع من الشعب عن المشاركة في الانتخابات، فجاءت نتائجها مخيّبة للآمال، ومعمّقة للإحباط من النزعات الشخصية، والحسابات الضيقة لدى القائمين على القوى الأربع: الجبهة الديمقراطية للسلام، والتجمع الوطني، والكتلة الإسلامية، وحركة التغيير. 

الآن ومع حل الكنيست الـ٢١ نفسه مساء الأربعاء الماضي الموافق ٢٩ مايو/ أيار الماضي (٢٠١٩)، وتحديد موعد لانتخابات الكنيست الـ٢٢ في الـ١٧ من أيلول/ سبتمبر المقبل (٢٠١٩)، ومع اتّضاح الصورة جلية، والدرس بليغًا في أوساط القوى الفلسطينية والشعب، فإنَّ الحاجة تُملي على كل القوى الفلسطينية الحزبية، ولجنة المتابعة العربية العليا، والمجالس القطرية، وقطاعات الشعب، والنخب والكفاءات ومنظمات المجتمع المدني العمل بشكل منظَّم وبسرعة لإعادة الاعتبار لوحدة القوى تحت راية القائمة المشتركة، لتكون عنوانًا واحدًا، وتحت راية شعارات سياسية ومطلبية واحدة للنزول للانتخابات القادمة، لأنَّ استمرار منطق المحاصصة، التي أعاد إثارتها البعض مباشرة من حركة التغيير، يكشف تعمق النزعات الفردية والضيقة، ومواصلة حالة التفكك، والتشرذم التي لا تخدم الشعب ولا القوى السياسية نفسها، وتزيد من إضعاف الصوت والمكانة الفلسطينية داخل (إسرائيل) الاستعمارية، وتعمق من عملية الاستهتار بمكانة الفلسطيني، وتزيد من تغول قوى اليمين المتطرف الصهيوني في استباحة الحقوق والمصالح الفلسطينية، وتضر بعملية السلام، وتضاعف من عمليات الاستيطان الاستعماري، وتساعد في تمرير صفقة القرن. 

ولعَلَّ ما أعلن عنه النائب أيمن عودة بعد حل الكنيست يحمل العبرة من درس الأمس، ومواجهة تحديات الغد، حيث قال له النائب الفاشي سموتيرطش، في حال استلم وزارة الداخلية، وإذا ما فاز اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة، فإنّه سيدمّر البيوت في مدن الجليل والمثلث والنقب والساحل والقرى الفلسطينية غير المعترف فيها في النقب. ليس هذا فقط، بل إنَّ حصول العرب على 13 مقعدًا، أو أكثر من ذلك، كان يمكن أن يشكّب عنوانًا للتحدي لقوى اليمين، ويحول دون حصوله على الأكثرية البرلمانية، ودون تكليف بنيامين نتنياهو مجددًا لتشكيل الحكومة، ولأمكن لعب دور مهم في توجيه صفعة قوية لترامب وصفقته المارقة والمشؤومة.

لم يعد مقبولاً للقوى الفلسطينية العربية التراخي، والاسترخاء، والانشداد للحسابات الشخصية والفئوية الضيقة، ومنطق "يا أنا، أو لا شيء"، الآن والآن فقط مطلوب من كل فلسطيني وطني غيور على مصالح الشعب الفلسطيني في داخل الداخل، وفي أراضي دولة فلسطين المحتلة عدم السماح بإعادة الكرة ثانية، كما حصل عشية تسليم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، إنما المطلوب تغليب مصلحة الشعب، والمصالح العامة على حساب الصغائر، والابتعاد عن النرجسية، والنزق والغرور، والتفريط بمصالح الشعب كل الشعب في أرجاء الأرض والكون. لأنَّ فوز القائمة المشتركة بأعلى عدد من المقاعد يوفر الفرصة للدفاع عن الحقوق السياسية والقانونية والمطلبية، ويعزّز دورهم في رسم خارطة القوى الإسرائيلية الصهيونية المؤثرة في صناعة القرار، ويمكنهم أن يشكلوا فعلاً وقولاً بيضة القبان في المعادلة السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي. 

وما تقدّم يحتّم على القوى السياسية الفلسطينية في الـ٤٨ العمل على التعاون مع كل قوى وأنصار السلام من الإسرائيليين، الذين رفضوا، ومازالوا يرفضون خيار قوى اليمين المتطرف. إنها فرصة مناسبة جدًا، ليوجه الفلسطينيون العرب اللطمة مرة جديدة وبقوة أعظم لنتنياهو وأقرانه في الليكود ولسموتيرطش وليبرمان ودرعي ومن لف لفهم من الصهاينة المتطرفين والفاشيين، ويؤكدوا حضورهم المانع والفاعل في مواجهة قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية"، ولكل القوانين العنصرية، ويدفعوا بعربة السلام على حدود الرابع من حزيران/ يونيو ١٩٦٧ للتقدم خطوات جدية، والحصول على المساواة الكاملة داخل المجتمع الإسرائيلي. فهل تكون القوى الأربع على قدر المسؤولية، وتعيد الاعتبار للقائمة المشتركة؟ الأيام القليلة القادمة كفيلة بالرد على طموح الجماهير الفلسطينية.