صادفت أمس الاثنين الذكرى الرابعة والخمسون لنشوء وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي ذكرى مجيدة وغالية على قلوب كل الوطنيين الفلسطينيين، لأن تأسيسها في العام 1964، ثم انتقال قيادتها مباشرة لفصائل العمل الوطني، وخروجها من تحت سقف الوصاية العربية، ثم الاعتراف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، يعتبر واحدا من أهم الإنجازات الوطنية. لأن الشعب الفلسطيني مع نشوء المنظمة، استعاد عافيته النسبية، ووجد فيها مرشده وحامل رايته الوطنية، والمدافع عن مصالحه وأهدافه وثوابته، بعد أن كان فقد الرأس القيادي خلال مرحلة حرجة وحساسة من تاريخه الوطني، مرحلة شعر فيها الفلسطيني، انه يعيش حالة من الضياع والتيه وسط تآمر عربي وإقليمي وعالمي على تصفية القضية الفلسطينية، وحصرها في القضية الإنسانية لحين موتها نهائيا، المرحلة التي امتدت ما بين عام النكبة 1948، وعام الهزيمة أو النكسة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967.
ورغم أن فصائل العمل الوطني والقومي والديمقراطي كانت موجودة، أو جرى تأسيسها خلال تلك المرحلة في خضم البحث عن الهوية والشخصية الوطنية والقومية، وتبديد حالة التوهان والضياع، غير أنها (الأحزاب والحركات والفصائل) لم تكن حققت نفسها بالمعنى الكامل للكلمة، ولم تتمكن من انتزاع مكانتها التمثيلية الرسمية للشعب الفلسطيني. ما حدا بها جميعها في أعقاب انطلاقة شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة في انطلاقتها الثانية بعد هزيمة حزيران 67 على تحشيد جهودها للانخراط في إطار منظمة التحرير وتحت راية برنامجها الوطني الجامع، رغم الاختلافات والفوارق السياسية والفكرية فيما بينها.
ومع إن الانطلاقة الرسمية للثورة الفلسطينية المعاصرة كانت في مطلع كانون الثاني 1965، ومع أن تأسيس منظمة التحرير كان في القمة العربية 1964، إلا أن انتقال مركز القرار في المنظمة لصالح فصائل الثورة الفلسطينية 1969 (وهذا لا ينتقص من مكانة رئيس منظمة التحرير الأول، فقيد القضية الكبير احمد الشقيري، ولا من خليفته الراحل يحيى حمودة، الذي تولى قيادة المنظمة لمرحلة انتقالية لم تزد على أشهر ستة) كان تحولا دراماتيكيا في دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية. وتمكنت الثورة من انتزاع الإنجاز تلو الإنجاز في كل الحقول والميادين المختلفة، وأبرزها وأهمها، استعادة مكانة القضية الفلسطينية كقضية سياسية أولا، وليس قضية إنسانية، وصد عمليات التآمر المختلفة لتصفيتها، ودحرها في جحورها وأنفاقها المخابراتية المعادية للمصالح الوطنية العليا، والاعتراف العربي والعالمي بالمنظمة، وانتزاع العشرات والمئات من القرارات الأممية في المنابر الأساسية للأمم المتحدة: مجلس الأمن، الجمعية العامة، لجنة حقوق الإنسان الدولية، منظمة اليونيسكو، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمة الصليب الأحمر، وغيرها من المنظمات الأممية، مما كرس الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية، رغما عن كل قوى الثورة المضادة حقيقة شامخة في المشهد العربي والإقليمي والدولي، لا مجال لكائن من كان تجاوزه أو القفز عنه وعن ممثله الشرعي والوحيد.
وتأتي الذكرى الـ54 لتأسيس منظمة التحرير بعد 25 يوما من انعقاد دورة المجلس الوطني الثالثة والعشرين، التي جددت الهيئات القيادية للمنظمة، وحمت راية الشرعية من التبديد والإقصاء، وأقرت برنامجا سياسيا استجاب لمصالح وطموحات الشعب الفلسطيني، ووضعت في اليد الفلسطينية الأدوات والآليات القادرة على مواجهة التحديات الناجمة عن وعد ترامب المشؤوم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة المستعمرة من تل أبيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية في ذكرى النكبة الـ70، وأيضا لمواجهة الانقلاب وتداعياته الخطرة، والعمل على تصليب وتطوير الذات الوطنية لقهر وهزيمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، رغم اختلال موازين القوى لصالح معسكر الأعداء الإسرائيلي الأميركي ومن لف لفهم من عرب وعجم. ما أعطى الذكرى أهمية خاصة.
ولعل هناك نقطة هامة قد تفوت بعض المراقبين، هي، أن الذكرى الـ54 لتأسيس ونشوء المنظمة تأتي في اليوم، الذي يخرج فيه الرئيس محمود عباس ظافرا ومتعافيا وقويا من المستشفى، ليهزم الإشاعة والشماتة، ويرد كيد الكائدين إلى جحورهم وزواياهم المعتمة، ويبقي أحقادهم تعتمل في دواخلهم المريضة لتقتلهم بدائها، ويبقى الغصة في حلوقهم تفعل فعلها، لعلها تشل خيالهم المريض والحاقد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها