خاص مجلة القدس/ تحقيق- غادة اسعد

أعلَنت الإحصائيات الرسمية في إسرائيل أنَّ عدد السكان وصلَ إلى 8 ملايين نسمة، وأنَّ اليهود يُشكِّلون نسبة 75.3% من مجموع السكان وأن عدد العرب الفلسطينيين في البلاد وصل إلى 1.658 مليون نسمة، ونسبتهم تقارب الـ21%، ورغم هذا التفاوت الكبير بين اليهود والعرب، إلا أنَّ هذه المعطيات زادت مِن رغبة إسرائيل وقياداتها بتسريع الخطوات التي من شأنها مضاعفة أعداد اليهود في فلسطين التاريخية، التي يعتبرها الصهاينة "أرض الميعاد"، فباتوا لا يتوقَّفون عن جلب مهاجرين جدد، واستغلال كُل بقعةٍ خضراء، لتحويلها إلى أراضٍ مُصادَرة، ومُخطَّطة لبناء المستوطنات.

ومؤخَّرًا أطلَّت المنظَّمات الإسرائيلية، وعلى رأسها الحكومة وذراعها التابع للهستدروت الصهيوني، لتفرِض مُخطَّطًا جديدًا هدفه "تهويد الجليل"، الأمر الذي يؤكِّد شعور الإسرائيليين حكومةً وشعبًا بالقلق الكبير من التزايد الديموغرافي للمواطنين العرب في البلاد، وهو ما أشار إليه مُخطَّط التهويد الذي بدأ يُستلُّ مِن الأدراج الوزارية ليُفرَض كواقعٍ على البلدات العربية الفلسطينية الواقعة في الجليل، دون التغاضي عن مخططاتٍ أخرى تُحاصر النقب والمثلث، وهكذا، تُسيطر على كُلِّ قطعةِ أرضٍ ليست مِن حقها، وتضمن بذلك الأمن لشعبها الموعود في هذه البلاد، بينما يسكن الفلسطينيون في الداخل إما في بيوتٍ مُتراصة فوق بعضها البعض، أو حتى في خيامٍ كما يعيش كثيرون في النقب.

وترى حكومة إسرائيل وساستها أنّ الفرصة مواتية الآن تحديدًا، كي تُحاصر البلدات العربية بمستوطناتٍ جديدة مِن كافة الجهات، وقريبًا ستحاوِل الدولة بأذرُعها السُلطوِية تمريرَ مُخطَّطٍ لإقامة أربع مناطق يهودية تجتاح الجليل وتبتلِع الأراضي العربية، التي هي في الأصل منهوبة ومُصادرة في غالبيتها، أو أنّها فعليًا ليست بملكية المواطنين العرب.

 

مُخطَّط تهويد الجليل يهدف لترجيح كفة اليهود

كَشَف الإعلام العبري مؤخَّرًا عن مبادرة جديدة اقترحَتها الحكومة الإسرائيلية لتجديد مُخطَّط تهويد الجليل لتهويد المنطقة في الشمال الفلسطيني بما في ذلك المدينة المختلطة عكا، وسائر بلدات الجليل وعلى رأسها توسيع بلدة كرميئيل اليهودية على حساب القرى العربية المجاورة، وفرض مستوطنات في منطقة البطوف، وقريبًا من منطقة الناصرة وشفاعمرو، أي أنه وباختصار، فقرب كُلّ بقعةٍ عربية، سيسعى المخطَّط لفرض مواطنين يهود يحيطون البلدات العربية كأخطبوط.

وقد قرَّرت الجهة الاستيطانية للحكومة- "قسم الاستيطان" التابع للهستدروت الصهيوني بلوَرة خطة جديدة وجدِّية لتهويد الجليل بغية تغيير الميزان الديموغرافي فيه الذي يميل لصالح العرب، عبر زيادة نسبة السكان اليهود سعيًا لتحقيق غالبية يهودية تسيطر على الأراضي اعتمادًا على الخارطة الهيكلية القُطرية.

هذا وقد حُوِّل المخطَّط إلى عدة مكاتب هندسية للتنظيم والبناء التي طُلِب إليها المشاركة في مناقصة لبلوَرة وثيقة يتم من خلالها استيعاب 100 ألف يهودي في الجليل، في سهل البطوف (البلدات العربية: سخنين، عرابة، دير حنا بالأساس، وقرىً أخرى قريبة)، وهكذا يكون قسم الاستيطان في الهستدروت هو الذراع التنفيذي للحكومة في تطوير الاستيطان اليهودي في الجليل والنقب أيضًا.

وتعترف الوثيقة أن خارطة "المناطر" أي المستوطنات اليهودية التي أُقيمت في الجليل منذ قيام الدولة، أوجدت استيطانًا قويًا لكنه لم ينجح في ترجيح كفة الميزان الديموغرافي في الجليل لصالح اليهود، خاصة أنّ هناك إشارة واضحة إلى هجرة المواطنين اليهود من الشمال والجليل باتجاه مركز البلاد (تل أبيب) والجنوب (بئر السبع والمستوطنات في النقب).

وتقترَح الذراع الاستيطانية الحكومية المذكورة إقامة أربع بلدات يهودية جديدة لضمان استقطاب عشرات آلاف المستوطنين اليهود إلى الجليل، علمًا أنه تمَّت المصادقة على إقامة مدينتَين جديدتَين (شيبوليت ورمات أربيل) رسميًا لكن لم يتم بعد إقرار إقامتهما في مؤسَّسات التنظيم والبناء، وفي الأفق منطقتَين أُخريَين هما "يسخار" و"خروب".

كما يتضمَّن المخطَّط أيضًا توسيع عشرات البلدات اليهودية بعشرات آلاف الدونمات بحيثُ تمتد ما بين طبريا ومنطقة البطوف التي فَجَّرت أحداث يوم الأرض الفلسطيني في 30 آذار عام 1976، وكانت حصيلة المواجهات استشهاد ستة فلسطينيين وجرح المئات مِـمَن تصدوا لمصادرة الأرض ومشاريع الاستيطان.

ووفق إحصائيات "المركز العربي للتخطيط البديل"، يوجد نحو 77 سلطة محلية عربية، خمس منها فقط لديها لجان تنظيم، أمَّا البقية فتتبع لجانًا يهودية تتحكم وتسيطر على الأرض.

ويذكُر المركز أن هناك 33 مخططًا هيكليًا لبلدات عربية تقع غالبيتها في الجليل وتضم قرابة عشرين ألف وحدة سكنية عالقة منذ سنوات في مؤسَّسات التخطيط والبناء التي تماطل بالمصادقة عليها، وتحوُل دون توسيع مسطحات النفوذ للبلدات التي بحاجة فورية لنحو أربعين ألف وحدة سكنية.

 

القرى التعاونية

وفيما يتعلَّق بالوثيقة التي قدَّمتها "وحدة الاستيطان"، أشارت المهندسة عناية بنا جريس من المركز العربي لمجلة "القدس" إلى أنّ خطة "المناطر" وُضعت في ثمانينيات القرن الماضي، لخلق توازن ديموغرافي مع الفلسطينيين في الجليل البالغ عددهم 700 ألف نسمة، في حين يصل عدد اليهود في الجليل نحو 630 ألفًا.

وانتقدت المهندسة بنّا مخططات السلطة الإسرائيلية، مشيرةً تحديدًا إلى المخطط الهيكلي القُطري "تاما 35"، الذي يسمح بإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع مسطحات نفوذ القرى التعاونية اليهودية الصغيرة، ويفرض قيودًا على الاستيطان الزراعي، رافضةً بشدة تطبيق خطة التهويد التي تسمح بالتغيير وفق اعتباراتٍ ليست مهنية بل مبنية أساسًا على ما يُسمى "التوازن الديموغرافي لصالح اليهود".

وأكَّدت بنّا أن إسرائيل عمدت خلال السنوات العشر التي تلَت النكبة إلى مصادرة نحو مليون دونم وإقامة نحو 104 بلدات يهودية في الجليل دون أن تُقام حتى اليوم أي بلدة عربية، وواصلت سياسة مصادرة ملكية الأراضي وتحويلها لنفوذ المجالس اليهودية، إذ تقلَّصت ملكية الفلسطينيين في الداخل للأراضي ومسطحات البلدات العربية لتقتصر على 3.4% من مساحة الدولة بحدود 1967 مع أنَّ تعدادهم من السكان يصل إلى 18%.

وحول آلية مواجهة المركز للمخطط قالت بنَّا: "سيعمل المركز على مسارين في مواجهة المخطط أولهما: استغلال القانون في قضايا التخطيط والبناء، وعليه سيتم التوجُّه للمحاكم والقضاء لإفشال المخطط والمسار الثاني هو النضال الجماهيري التوعوي، والاستناد إلى العمل السياسي مِن قِبَل أعضاء الكنيست ورؤساء المجالس المحلي، ودورهم في الضغط على الحكومة لإفشال مخططها العنصري".

وفي معرِض حديثها نوَّهت المهندسة بنّا إلى ضرورة المساهمة في حل الأزمة السكنية الخانقة في البلدات العربية، مع إعطاء المواطنين الفرصة لتنوع المسكن، وعدم تحويل القرى إلى الطابع المدني، بل الحفاظ على البناء القروي والحفاظ على الموروث التاريخي والعمراني، لكن وفق ما يراه الفرد مُناسبًا له.

وأردفت بنَّا "هناك علاقة متداخلة بين مُخطَّط برافر ومُخطَّط تهويد الجليل، فكلاهما يصُبُّ في نفس الأهداف والخانة، وهو تهويد المنطقة، واستغلال الحيّز الوجودي الذي يسكنه العربي من أجل محاصرته، وانتزاع ملكيته. وفي كِلا الحالتين هناك ضرورة للنضال الشعبي وإلى تصعيد العمل الجماهيري، مع الإيمان بأننا أقلية قومية أصلانية يحق لها البقاء فوق أرضها والعيش بكرامة".

 

سيتم استغلال أزمة السكن في إسرائيل

أمَّا عن مُخطِّط المدن البروفيسور يوسف جبارين، فتحدَّث عن المخطَّط القديم الجديد قائلاً: "الحركة الصهيونية تُخطِّط للوصول لكيفية استغلال هذا الكم الهائل من الناس الذين يعانون أزمة سكن، وتسعى كذلك لدعوة اليهود الحرديم الذين ينجبون عادة أكثر من غيرهم من الأُسَر للسكن في الجليل بهدف تغيير الواقع الديموغرافي فيه".

وأضاف البروفيسور جبارين: "لقد جرت في الثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي محاولات لقلب واقع النظام الديموغرافي في الجليل، وكانت هناك خطة بناء "المناطر"، ففي فترة قصيرة جدًا بين عامَي 1979 و1981 أقاموا 30 منطرة بهدف السيطرة على قمم الجبال في الجليل، ولكن المشاريع لم تنجح بشكل كبير، لهذا السبب يوجد اليوم تفكير جديد لاستغلال وضع وأزمة السكن، والفكرة تكمن بإحضار 200 ألف يهودي خلال عشر سنوات، بمعدل 100 ألف يهودي كل خمس سنوات".

وتابَع "الأمر الهام أيضًا في هذا المشروع هو أنه بالإضافة لإقامة مستوطنات يهودية جديدة، فإنَّه يسعى لتوسيع مسطحات قائمة لمستوطنات ومدن يهودية وتوسيع السيطرة اليهودية على مراكز وأحياء في المدن المختلطة كعكا مثلاً".

وعن ماهية المخطَّط، يقول البروفيسور جبارين: "يقوم المخطَّط على إقامة مناطق تطويرية ذات مساكن عالية الجودة لليهود (فيلات)، وسوف تُقام في كل بلدة من هذه المستوطنات لجان قبول لمنع سكن العرب فيها. فالفكرة الإستراتيجية تقوم على منح فرص قوية بمفهوم تطويري، الهدف منها منح جودة حياة ريفية لجذب اليهود لهذه المنطقة، وهي تشبه فكرة (السور والبرج) التي استُخدِمت في العملية الاستيطانية قبل عام 48 والتي تهدف لتطوير النظام السكاني في الجليل".

 

يغيظهم أنّ نسبة العرب في الجليل ما تزال 51%

ويشير البروفيسور جبارين إلى أنَّ جزءاً من هذه الخطة يقوم على خلق أماكن عمل خاصة لليهود فقط، خصوصًا في مجال "الهايتيك" (التكنولوجيا المتطوِّرة) والخدمات المصرفية، واستبعاد العرب منها، الأمر الذي سيزيد- برأيه -الفجوة الاقتصادية اتساعًا بين العرب واليهود، وسيمنع توسيع البلدات العربية ويُحاصرها بصورة أكبر، موضحاً "وفي نهاية المطاف فهذا سيخلق "أبرتهايد" اقتصاديًا وديموغرافيًا، على النمط الذي كان قائمًا في جنوب أفريقيا، حيثُ أن العربي يعيش في بلدات تشبه الغيتوات (أحياء الأقليات القديمة) بينما اليهودي يعيش في مكان واسع".

ويتابع "أصبح تهويد الجليل الآن يأخذ منحى اقتصاديًا جديداً، عبر جذب الطبقة المتوسطة والشباب اليهود والحرديم إلى الجليل. ولهذا الغرض أقرَّت الحكومة أمرين، الأول إقامة مدينة عربية جديدة على مساحة 5000 دونم في منطقة طنطور (جديدة- المكر)، لإسكان عشرات آلاف العرب كي تمنع توسيع القرى والمدن العربية القائمة".

وأكدّ جبارين أنّ الدولة قامت خلال السنوات الأخيرة بإعداد خرائط هيكلية سيئة جدًا لكل البلدات العربية، وتمَّت المصادقة عليها بهدف تغيير نظام الأرض والواقع الديموغرافي من خلال الخطة التي تعمل عليها الحكومة، وأنّ السلطات العربية في الجليل، للأسف، أغفلت بأكثريتها توسيع المسطحات في البلدات والتخطيط الهيكلي من عشرين إلى ثلاثين سنة قادمة.

ويشار إلى أنّ الهستدروت الصهيونية وإدارة تطوير النقب والجليل يعملون معاً على مخططات جديدة تسعى بشكل خاص للحصول على المصادقة على هذه المخططات من أجل استباق ردة فعل عربية في الجليل.

 

نرفض تهويد البطوف ونطالب بالتفاف جماهيري

وتعقيبًا على المخطط صرّح رئيس بلدية سخنين مازن غنايم قائلاً: "واضح أنّ المخطط عنصري، يستهدف المس بأهلنا في كل المناطق بما في ذلك البطوف وسائر الجليل والمثلث والنقب، وعليه فنحنُ جاهزون للتصدي ورفض سياسة التهويد المجحفة بحق العرب".

وأضاف: "المطلوب الآن هو التمسُّك بالأرض التي بقيت بين أيدينا والحفاظ عليها، ورفع مستوى جهوزية أهلنا في الدفاع عن حقهم في البقاء فوق أرضهم، وإسقاط المشاريع الهادفة إلى سلبنا حقنا في الوجود"، مطالباً اللجنة المتابعة لقضايا الفلسطينيين في الداخل واللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية أداء دور أكبر في التحرُّك باتجاه مواجهة مخطَّط التهويد.

وأشارَ غنايم إلى أنّ آلاف الدونمات قد تمَّت مصادرتها من منطقة البطوف- التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم- للاستيطان ولصالح معسكرات الجيش، بينما تعيش البلدات العربية وبينها بلدة سخنين في ظل أزمة سكنية خانقة، وفي وقت ترفض فيه لجان التنظيم والبناء المصادقة على توسيع نفوذ ومسطحات أراضي سخنين، معرِباً عن انزعاجه مِن اضطرار الأزواج الشابة إلى الهجرة للسكن في البلدات اليهودية المجاورة، حيثُ يصطدمون بالرفض لدوافع عنصرية.

 

تطوير بلدية كرميئيل على حساب أهالي قرية رميّة

يستمر نضال أهالي قرية رميّة الفلسطينية التي تصارع على البقاء في مواجهة سياسة التهجير التي تتَّبعها الحكومة وبلدية كرميئيل – المدينة اليهودية المجاورة – التي يرغب رئيسها، بدعمٍ حكومي، بتهجير العرب الفلسطينيين من القرية، بينما يُصر أهالي القرية بمساندة جماهيرية فلسطينية على بقاء أهالي رمية فوق أرضهم، ويقومون مؤخَّرًا بتصعيد النضال من خلال التظاهرات والاحتجاجات المتواصلة.

ويسكن أهل رمية الجليليّة في أراضيهم قبل قيام دولة إسرائيل بفترة طويلة، غير أنَّهم وقعوا ضحايا المشروع العنصري المسمّى "تهويد الجليل" الذي أقيمت مدينة كرميئيل من خلاله، خاصةً بعد قيام الحكومة الإسرائيلية بمصادرة أراضي رمية في العام 1976 وتهجير أهلها بذريعة "التنمية لأغراض الجمهور" (للمصلحة العامّة).

وتُمثِّل كلٌ من بلدة كرميئيل ومستوطنات مسغاف ونتسيرت عليت القريبة من المنطقة نموذجًا لنظام الفصل العنصري في الجليل، الذي يتجلَّى في مصادرة الأراضي وتخصيصها بحسب المعايير العنصرية، والتمييز في تهيئة البُنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، علاوةً على العراقيل في السكن، ومنع التنمية الاقتصادية في الغيتوات العربيّة في الجليل، مقابل تشجيع الاستيطان اليهودي.

 

عنصرية كرميئيل ضد أهالي رمية

يعيش أهالي رمية على أراضيهم المسجَّلة في مكتب تسجيل الأراضي قبل تأسيس كرميئيل، غير أنَّ قرية رمية غير معترف بها. وعادةً ما تكون الذريعة ضد القرى العربية غير المعترف بها المقامة على أراضٍ يملكها سكانها أنّها مبنية على أرضٍ زراعية، وبالتالي لا يمكن ترخيص أي بناء فيها - حتى لو كان مبنىً قديمًا. لكن أراضي رمية باتت موجودة في قلب منطقة البناء في كرميئيل، فلماذا لا يتمّ الاعتراف ببيوت رمية كقرية منفصلة أو كحي في مدينة كرميئيل؟! والجواب هو لأنّ كرميئيل تأسّست كمدينة لليهود على أراضي العرب ولترحيل العرب، حين أصدِر قرار "التنمية" المزعوم عام 1976. وبعد معركة قانونية طويلة بلا فائدة، صادقت المحكمة "العليا" في 1/3/1992 على هذه المصادرة. غير أن الإساءة لأهالي رمية لم تقف عند حدود المصادرة فقط، بل تعدَّتها لإجبار السكان على التخلي عن بيوتهم وأرضهم، إذ تُصّر بلديّة كرميئيل والمؤسَّسات المختلفة أن تشنّ ضدّ أهالي رمية سياسة الحصار والحرمان من الاحتياجات الأساسية، وأبرز الأمثلة حرمان السكان من الكهرباء، وتنفيذ أوامر بإطفاء المولِّدات في الليل، لتترك سكان رمية في الظلام والعراء والبرد.

 

حكاية نضال مستمر

وهكذا تحوَّلت قضية رمية في أوائل التسعينيات إلى محورٍ مركزيٍ لنضال الفلسطيني ضد تهويد الجليل، وعندما صعَّد الأهالي احتجاجهم أجبروا "إدارة أراضي إسرائيل" على دخول المفاوضات والتوصُّل إلى "حل وسط". وفي نهاية المطاف وُقِّع اتفاق بين "الإدارة" والسكان في عام 1995، لكنّ الاتفاق لم يكن لصالح الأهالي بل أساء للسكان وزاد من الضغط عليهم حيثُ سمَح للدولة بتولّي أرض رمية مقابل تعويضٍ اقتصر على جزء صغير من قيمتها.

ومع ذلك، فإن الاتفاق يكسر إلى حدٍّ ما مبدأ الفصل العنصري الذي أُقيمَت على أساسه مدينة كرميئيل، لأنه يتيحُ للسكان البقاء في المنطقة وبناء بيوتهم فيها. ولتحقيق هذه الغاية، التزمت "الإدارة" بتوفير 30 قسيمة أرض لبناء حيٍّ خاص لعرب رمية في نطاق نفوذ بلدية كرميئيل، كما تضمَّن الاتفاق تعويضًا لأهل رمية من خلال 15 قسيمة أرض للعمار ومساحة معيَّنة من الأرض الزراعيّة من خارج كرميئيل، بينما لا تزال قضايا أهالي رمية في المحاكم، تنتظرُ عدلاً في دولةٍ لا تختلف عن دول التمييز العنصري المعتمدة على "الأبارتهايد".