خاص مجلة القدس- غادة أسعد/ شفا عمرو

كُنتُ بينَ الذين شاركوا في التظاهرات التي جرَت في البلدات العربية الفلسطينية في الداخل، وكانت الحماسة تتجلَّى بصراخ الشباب والصبايا، وصمودهم يومَ وقفوا أمام الإسرائيلي ببذلته العسكرية، متحدين همجيته ومحاولته منعهم مِن الاقتراب مِن الشوارع الرئيسة، يومَها شعرتُ أنني قوية وفلسطينية أكثرَ مِن أي وقتٍ مضى، ولستُ الوحيدة التي حمَلَت هذا الشعور ونقَلَتهُ إلى أهلها الذين نصحوها "بعدم الـمُخاطرة" في مواجهة رجالات السلطة وقوات الشرطة والجنود الإسرائيليين، وأنا في الحقيقة، لا تُتاح لي دائمًا فُرصة الالتحام بين الشباب الـمُناضِل الذي يثُور رفضًا لسياسة إسرائيل، وحمايةً لوجودنا كشعبٍ في الداخل، فيكفي أن تقف فتاةٌ في العشرينيات من العمر، أمامَ جندي-يجيدُ العربية تمامًا- لتقول له "صهيوني ارحل عنّا"، وهو يرمقها بعينيه الحمراوَين، ولا يلبثُ أن يتَّجه إلى رفاقه المسلَّحين ليعتليَ جوادًا مُدرَّبًا ويُلاحِق الصغار والكبار، ولتدوس أرجُلُ الخيول أجسادَ الفلسطينيين الغضّة، فتصيب بعضهم، ثم تعتقلَ آخرين من الصبايا والشباب، وفي عيونهم لا تزالُ النظرةُ ذاتها، كراهية لكل المتظاهرين.

هؤلاء الجنود ورجال الشرطة، ومَن يقف خلفهم مِن مسؤولين حكوميين إسرائيليين، لا يعرفون أنّ هؤلاء الفلسطينيين يُدافعون عن أرضٍ، هي آخر ما تبقَّى لهم، بعد احتلالٍ وحصارٍ وتهويدٍ واقتلاع. وأرض النقب المتمرّدة الرافضة لمخطط برافر، هي أكبرُ منطقةٍ تتطلَّعُ أعيُن الصهاينة على أراضيها لافتراسها، وترحيل سكانها الأصليين منها.

 

مُخطَّط برافر العنصري

منذ سنتين ونيّف والحكومة الإسرائيلية ترسُم خُطة "برافر"، بهدف مصادرة أكثر من 850 ألف دونم، لأكثر من 200 ألف نسمة، لتحشُرهم في بقعةٍ مساحتها أقل من 100 ألف دونم، أي أقل من 1% من مساحتها الإجمالية.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد منَحت الـمُخطَّط الضوء الأحمر في أيلول عام 2011، وعرّفته بأنه مُخطَّط "لتوطين عرب النقب"، في حين أنَّه كان يهدف لابتلاع 500 ألف دونم من أصل 600 ألف دونم يملكها العرب الفلسطينيون في النقب، بينما لا تعترف الدولة بملكية أهالي النقب لأرضهم، وبموجب هذا الـمُخطَّط سيتم اقتلاع أكثر من 40 ألف مواطن من بيوتهم وقراهم، بينما سيصبح العرب "مخالفين للقانون" إذا ما بقوا فوق أرضهم.

وقد وُصِف الـمُخطَّط مِن قِبَل لجنة المتابعة العُليا لشؤون الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني بأنَّه أكبر مُخطَّط كولونيالي تصفوي، يهدف لحرمان الفلسطينيين من وجودهم فوقَ أرضهم، ومِن هنا تأتي معركة النقب وهي المعركة الفاصلة في بقاء أو محو العرب مِن أراضيهم، فإذا ما استفرست الدولة ونهبت أرض النقب، فلن يبقى للعرب في الداخل أراضٍ يسكنونها، خاصةً في وجود مُخطَّطات أخرى تُنفِّذها المؤسسة الإسرائيلية في أراضي الجليل والمثلث والمدن الساحلية، بهدف توطين اليهود واغتصاب الأراضي العربية من مالكيها.

 

لماذا النقب تحديدًا؟!

تُعدُّ منطقة النقب من المناطق الحيوية الواقعة جنوبي فلسطين المحتلَّة، نظرًا لمساحتها الواسعة وقُربها من مصر بمجاورتها حدوداً طويلة مع منطقة سيناء، ومجاورتها لشريط جنوب الأردن، وإطلالها على البحر الأحمر من خلال فتحة مدينة "أم الرشراش" (إيلات) التي تُعدُّ جزءًا من منطقة جنوبي النقب.

وتُعرَفُ المنطقة بثرواتها الباطنية التي لم تصرح بها إسرائيل، بينما أكَّدتها المصادر الأخرى، إذ يشار إلى وجود عناصر نادرة في الجدول الدوري الكيميائي فيها كاليورانيوم وغيره، إضافة إلى أنَّها من المناطق الرئيسة لوجود القواعد الجوية لسلاح الجو "الإسرائيلي"، ومراكز التدريب والكليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، إضافة لمفاعل ديمونا النووي وملحقاته.

بينما يأتي مشروع برافر لتفكيك القرى العربية المتناثرة في منطقة النقب بذريعة إعادة تنظيم الوجود العربي الفلسطيني في النقب، استكمالاً لمشروع تهويد كل ما هو غير يهودي.

وهكذا تسعى الحكومة لحصر العرب في 1% من أراضي النقب، وترحيلهم إلى مجمعات من كتل إسمنتية، تُشتِّتهم وتُهمّشهم وتقطع رزقهم، وتُنهي مُلكية العرب للأراضي الزراعية وتحوِّلهم إلى عُمّال تحت إمرة الإسرائيليين، علمًا أنّ سكان النقب هم من البدو الفلسطينيين الذين يعيشون على الزراعة وتربية المواشي، وبالتالي فدون هذه الحياة التي اعتادوا عليها، سيكون مصيرهم الهلاك.

 

مصادرة الأراضي العربية

في سنوات السبعين قامت الدولة بخطوة تهدف للاستيلاء على أراضي الغائبين وتحديد أراضي الباقين من أهل النقب من أجل محاولة سلبها منهم، إذ أعلنت أنه يتوجَّب على كل من يدَّعي مُلكية أرضٍ أن يُقدِّم دعوى مُلكية في ذلك، فعمد قسم كبير من أصحاب الأراضي لتحديد أراضيهم بحيثُ أُعدَّت الخرائط وأُرفِقت دعوة الملكية المقدَّمة لوزارة القضاء، ولكن الدولة جمَّدت هذه العملية مدة 30 عامًا، ثم قامت مؤخَّرًا برفع شكاوى مضادة ضد أصحاب الأراضي الذين قاموا بتقديم الدعاوى من أجل الاستيلاء عليها عن طريق المحاكم.

 

واقع الفلسطينيين في النقب

يعيش معظم سكان النقب في قرىً غير معترف بها حيثُ يسكنون أكواخاً، وخيماً أو مبانيَ أخرى غير ثابتة، في ظلِّ قدر ضئيل من الحماية من الظروف الصحراوية الصعبة، وهؤلاء الفلسطينيون تحديدًا هم أكثر العرب فقرًا ومرضًا علاوةً على تدني المستوى التعليمي، والإصابات المنزلية الخطيرة التي يتعرَّض لها الكبار، إضافة إلى الاستهداف والتمييز الموجَّه ضد المرأة، مِن قِبَل العائلة والدولة الصهيونية، هذا إلى جانب قيام السلطات الإسرائيلية -بصورة دائمة- بهدم المباني التي تُبنى على أرض النقب باعتبارها غير قانونية، وكما تفيد تقديرات جامعة بن غوريون، في بئر السبع، أنه تمّ تسليم أوامر تنصُّ على هدم 16,000 مبنًى في القرى غير المعترف بها.

 

القرى غير المعترف بها

أُخذَت هذه التسمية من عدم اعتراف الحكومات الإسرائيلية بهذه القرى لأسباب سياسية وذلك مع أن هذه القرى شرعية من الناحية التاريخية وقائمة قبل عام 1948.

ويبلغ عدد القرى غير المعترف بها في النقب 45 قرية ويقطنها ما يُقارب 75,000 ألف نسمة، وحسب الإحصائيات، تبلغ مساحة الأرض التي هي بحوزة هذه القرى أكثر من 180,000 دونم وتفتقر هذه القرى إلى الحد الأدنى من البُنى التحتية، والكهرباء، والهواتف، والصرف الصحي، والشوارع، والعيادات الصحية، إلى جانب النقص الكبير في عدد المدارس ومياه الشفة. وتعاني أكثرها البطالة والفقر بشكل مأساوي، غير أن سكانها على ذلك يصمدون ويتمسَّكون بالأرض ويرفضون الإغراءات السلطوية والأساليب التي تُحاصِر هذه القرى اقتصاديًا وإنسانيًا لإجبارهم على الرحيل إلى تجمعات التوطين القسري.

 

قصة مواجهة وتحدٍ!

مساء الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، سطّر فلسطينيون صفحاتٍ من البطولة في النضال الفلسطيني، يوم جعَلوا الكنيست الإسرائيلي يُعلن عن وقف مُخطَّط برافر العنصري الذي كان الوزير السابق بيني بيغن قد خُوِّل صياغته لتمريره في الكنيست، لكن تداعيات القانون والمواجهة الجبّارة التي خاضها فلسطينيو الداخل وخاصةً "الحراك الشبابي" -الذي استطاعَ أن يوصِل القضية إلى كافة أنحاء العالم- أحرجَت ساسة إسرائيل الذين وجدوا أنفسهم ضعفاء على قوَّتهم العسكرية في مواجهة الشباب الرافض لتمرير قانون "برافر العنصري".

 

المناضل المصاب شكري محاميد يُصرِّح: أنا الآن أقوى!

أقلُّ مِن شهرٍ، ولا يزالُ الـمُصاب الشاب شكري محاميد (من قرية الفريديس، التي لا تبعد كثيرًا عن حيفا)، ينتظرُ ساعة الفرج، بخروجه معافى مِن مستشفى هيلل يافة (في مدينة تل أبيب) وهو الآن يحاوُل بكل ما ملكت يداه أن يبدو قويًا كما عُرِف عنه، لأنه يملك من الإرادة قوةً تستطيع أن تعيده إلى النضال في مواجهة مخططات السلطات الإسرائيلية.

ومحاميد كان قد أُصيبَ بتمزُّق الطحال بعد أن تعرَّض لاعتداءٍ مِن قبل الشرطة والجنود الإسرائيليين في مدينة حيفا، حين صُوِبت نحوَه خراطيم المياه من مسافةٍ قريبة، أثناءَ مشاركته في المظاهرة السلمية التي جرَت في المدينة احتجاجًا على مشروع برافر العنصري.

وعن حكايته مع خفافيش الليل في 30 نوفمبر الماضي يقول: "انضممتُ إلى الرفاق الـمُشاركين في تظاهرة حيفا احتجاجًا على مُخطَّط برافر التعسفي، وهي ليست أول مرّة أشارك فيها في الاحتجاجات، إذ إنَّني بدأتُ بالمشاركة في هذه النشاطات في المرحلة الابتدائية، وفي المرة السابقة من الاحتجاجات في أوائل آب سافرتُ إلى النقب، وقبلها في 15 تموز شاركتُ مع الشباب المحتج في أم الفحم، واخترتُ هذه المرة مدينة حيفا، إيمانًا مِني بأنَّ صوتنا في سائر أنحاء الوطن هو صوتٌ واحد. وما حدث هو أن الشباب تفرَّقوا بعد استخدام خراطيم المياه شديدة الضغط، وبخطوةٍ عفوية عدتُ إلى الوسط، وإذا بالشاحنة تصوِّب نحوي خرطوم مياه من مسافة قريبة جدًا".

ويُضيف محاميد: "شعرتُ بضيقٍ شديدٍ في التنفس، ولم أعُد أعي أينَ أنا، فحملني الشباب إلى أقرب مقعدٍ، وقد قام أحد المسعفين بطمأنتي قائلاً: "لا تخف، كل شيء سيكون على ما يرام"، لكنني ظللتُ أشعرُ بدوارٍ في رأسي وألمٍ غريب. وحين تمّ فض الاعتصام، توجَّهت مع قريب لي إلى بيتي، وكنتُ وحدي في البيت. حاولتُ الاستحمام لكنّ الألم لم يختفِ، فاتصلتُ بطبيب العائلة، وحين عاينني، كان وجهي أصفر، شاحبًا، فقال لي: تحتاج إلى إسعاف حالاً، قد يكون لديك نزيف داخلي. ولدى وصولي إلى العناية المركزّة، سألوني بدايةً عمَّا حدث لي، فقلتُ أنني وقعتُ عن "سُلم البيت – الدرج"، ولكن عندما عاينونني، وأخبروني أّنّ طحالي ممزّق وأضلاعي مكسّرة، أخبرتهم بالحقيقة. وبعد خمس دقائق، جاءَت الشرطة، ورفضُتُ أن أقدّم شكوى، وقال لي الشرطي، توجَّه إلى"ماحش" (وحدة التحقيق مع الشرطة)، وقد مكثتُ يومين في العناية المركَّزة، وبعدها ثلاثة أيام في غرفة "تراوما"، وبعدها تمّ نقلي إلى غرفةٍ عادية".

هذه هي حكاية شكري محاميد الذي يُصارِع الأيام كي يُشفى ويتعافى ليعود لوالديه وزوجته رُبى وابنته ابنة السنة ونصف السنة الجميلة مجدل، لكن خلف حكاية الإصابة، حكايةٌ أخرى سطرها شابٌ فلسطيني من الداخل، يحمل في صدره حُبًا عميقًا للوطن الفلسطيني، ويخشى عليه مِن الضياع نهائيًا، لذا شاركَ في التظاهرات منذ صغره، وينتظر لحظة شفائه ليعود، علّه مع شبابٍ سكَنت الإرادة في أجسادهم، "يُسقطون مُخطَّط برافر وجميع المخطَّطات التي لا تزال في الأدراج"- هكذا قال شكري، قبل أن يُحدثني بالمزيد عن تفاصيل حياته قائلاً: "لم تكسرني كلماتُ البعض التي حاولت أن تقول خلال زيارتها "لا داعي أن تُشارك"، أمَّا الآخرون وهم كثر فساندوني وشدوا مِن أزري، حتى أنني أشعرُ أنني أقوى مِن اليوم الذي سافرتُ فيه إلى حيفا لأشارك الشباب في التظاهرة، معنويات عالية، ولا يهمني مصيري، فأنا جزءٌ مِن شعبٍ ضحَّى بشباب بعمر الورود، مِن أجلِ الأقصى والأرض والمسكن ومِن أجلِ بقائنا بكرامة فوقَ هذه الأرض".

 

الشباب هم من أسقطوا مُخطَّط برافر العنصري

وعن الحراك الشبابي يقول محاميد: "هناك شبان يبحثون عن قضية يدافعون عنها، وجاءَ مُخطَّط برافر ليكون هو في صُلب القضية، وقد يفشل الـمُخطَّط فلا يَمُر (إلا على أجسادنا)، أو نخسَر فيَمُر، لكن بين هؤلاء الشباب صارت هناك وحدةُ دمٍ، لا تُفرِّقها الحزبيات ولا غيرها، وهذا أمرٌ واضحٌ جدًا. فالمشترك بيننا نحنُ الشباب أكبرُ مِن خلافاتٍ في وجهاتِ نظرٍ لا تُفسد الهدف الرئيس، وهو الحفاظ على بقائنا فوق أرضنا. قلتُ برافر قد يَمُر، لكنني في أعماقي أرجو وشبه متأكّد أنه لن يَمُر. قد يكون ما نفعله بمنزلة صرخة نملة، لكنه يؤثِر في الرأي العام الإسرائيلي، وهناك خلافات جدية بين أعضاء الكنيست اليهود أنفسهم، فتمرير الـمُخطَّط، هو يومٌ ملطخٌ بالسواد على وجوههم، وهم أصلاً خسروا إنسانيتهم، والآن يخسرون كرامتهم أمام العالم، لكنّ الخوف يظلُ يسكُننا، حتى نُعلنها جميعًا - سقطَ مُخطَّط برافر، لم يَمُر".

ويقول: "لو خسرنا النقب، الذي يسكنه عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين، فلن تعجز إسرائيل، حينها عن تحقيق هدفها بمحو سائر البلدات والقرى العربية. فها هو الساحل الذي كان عربيًا بامتياز، لم يبقَ اليوم على خريطته سوى جسر الزرقاء والفريديس الصامدين، لكنّ الـمُخطَّط بترحيلهم سيكون سهلاً وفيهما حوالي 25 ألف مواطن، سيُنقلون إلى وادٍ، إذا ما سقط النقب، لذا عيبٌ علينا أن نسكُت، وإلا فجميع قضايانا خاسرة".

وآخر ما قاله المصاب شكري: "أنا أقارن بين ما أصابني، وبين تضحيات جِسام قدَّمها شهداء، وعائلات أسرى ومناضلين في الوطن، فكيفَ لا أقتدي بهم؟!".

 

هل تمّ تجميد مُخطَّط برافر فعلاً؟! أم أنها مسألة إعادة ترتيب أوراق؟!

في الوقت الذي أعُلِن فيه عن إيقاف مُخطَّط برافر، تحدَّث الوزير بيغن منتقدًا الائتلاف الشامل والتصدي الفلسطيني والعربي والعالمي الذي صعَّد أزمة النقب، التي تمّ استغلالها لتسخين الأجواء "لحصد مكاسب سياسية". وعلى عكس ما أُعلِن في بداية التحديث عن قانون برافر، كشف بيغن عن أنّ العرب في النقب لم يطَّلعوا على الـمُخطَّط، ولا يمكنه القول أنهم موافقون، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى تكذيب إعلانه السابق أنّ 80% من البدو موافقون على الـمُخطَّط، وهكذا تمّ تجميد القانون.

وفي أعقاب الإعلان عن سحب القانون، نُقِل عن الجنرال المتقاعد دورون ألموغ المكلَّف من قِبَل نتنياهو بتطبيق مُخطَّط برافر "إنه لم يتلقَ أيَّة تعليمات بسحب مشروع قانون برافر، وأنه يواصل عمله لتطبيق القانون".

وزاد ألموغ قائلاً: "بمقدور الوزير السابق بيني بيغن أن يقول ما يشاء"، لافتاً إلى أنَّه مستمر في عمله لتطبيق القانون ومؤكدًا أنَّه لا يعمل وفق أهوائه الشخصية، بينما أعلنت رئيسة لجنة الداخلية التابعة للكنيست، ميريت ريجف في وقت سابق من نفس اليوم، أنها ستواصل العمل على تشريع قانون برافر على الرغم من إعلان بيغن المذكور. وقالت ريجف، وفق موقع هآرتس، إنها التقت بمدير ديوان نتنياهو هرئيل لوكر، وتحدَّثت أيضًا مع وزير الإسكان أوري أريئيل لكنها لم تتلقَ أيَّة تعليمات بسحب مشروع القانون، موضحةً أن الحكومة لم تطلب سحب القانون.

وكانت الجماهير العربية قد استقبلت نبأ تجميد مُخطَّط برافر بفرح غامر، إلا أنه كان واضحًا للجميع بأن السلطة تتعامل في مثل هذه القضايا بخبث، وقد أرادت من هذا الإعلان على ما يبدو امتصاص موجة الغضب التي اجتاحت القرى والمدن العربية، حيثُ وحَّدت العرب في الداخل ضد هذا الـمُخطَّط، وقد نجح الحراك الشبابي بنقل القضية إلى خارج الحدود ليصبح مفضوحًا في أوساط واسعة عربيًا وعالميًا.

من جهته قال الناشط الشبابي فادي العبرة "للقدس": "إنَّ المرحلة القادمة سوف تتركَّز الجهود فيها حول إلغاء قانون برافر وعدم الاكتفاء بتجميده ووضع حد للمراوغة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية وأيضًا سيتم تسليط الضوء على إيقاف تنفيذ القانون على الأرض لمنع هدم البيوت وإفساد المحاصيل وإيقاف ملاحقة الناشطات والناشطين في النقب وإطلاق سراح جميع المعتقلين". وأضاف العبرة "واضح أنّ الحراك الشبابي ظاهرة رائعة بين جماهيرنا يتم من خلالها تصعيد النضال الشعبي المنظَّم ميدانيًا وإعلاميًا ودوليًا، إضافة إلى أنه رفَعَ الخطاب والمطلب الأكثر إلحاحًا، وفرَضَ التغيير المنشود بمواجهة برافر، وإعادة فرض ثقافة النضال الموحَّد مِن أجل الحفاظ على فلسطين التاريخية، بجميع مناطقها دون استثناء".

 

لجنة التوجيه لعرب النقب ترفض "برافر" العنصري!

وترفض لجنة التوجيه العليا لعرب النقب استمرار مناقشة قانون برافر العنصري، وتطالب بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، الذين شاركوا في التظاهرات المناهضة لبرافر، مستنكرةً الممارسات العنصرية بحق أهالي النقب، إضافة إلى سياسة المراوغة والاستهتار بأبناء النقب.

 

"للحراك الشبابي دورٌ في تدويل القضية"

من جهته رأى رئيس اللجنة المحلية في وادي النعم في النقب لباد أبو عفاش أنّ "الـمُخطَّط يعكس تعامل الدولة بمنطق التمييز بين المواطنين في كافة مناحي الحياة، إذ تحاول الدولة الصهيونية عبر قانون جائر ظالم إقصاء الأقلية العربية ومنعها من أبسط الحقوق، بل ومصادرة أراضيها. وفي المقابل فالدولة ذاتها تعطي جميع الإمكانيات والفرص للشعب اليهودي. فالدولة عبر مُخطَّط برافر تريد اقتلاع قرية وادي النعم ومصادرة الأرض التي تقوم عليها، علماً أن مساحة القرية لا تتعدى 12 ألف دونم وهي مساحة قليلة مقارنة مع المساحات التي يتم منحها للمزارعين الفرديين من اليهود"، ويردف "الجميع استبشر خيراً عندما تم الإعلان عن تجميد الـمُخطَّط مع عِلمنا في قرية وادي النعم أن هذا مجرد تمويه لأن التجربة الماضية أثبتت لنا ذلك، كما أن الحكومات المتعاقبة تُكرِّس السياسة ذاتها ضد الأقلية العربية في البلاد، ونحن نستهجن ونستنكر إثارة الموضوع من جديد، وبلا شك في ظل حكومة يمينية متطرفة فالأنباء تُنذِر بأن القادم من مُخطَّطات أشد ظلمًا وجورًا على العرب في النقب. لقد هبَّت الجماهير العربية في البلاد بكل أطيافها وأحزابها ومؤسساتها، ولجانها الشعبية المحلية والعالمية، وأدارت النضال كما يجب، ولقد كان لهذا الحراك الجماهيري دوره في فضح سياسة الـمُخطَّط، وكان للحراك الشبابي دوره الفعَّال في مناهضة الـمُخطَّط بل وتدويله، وكان له دوره البارز في نشر وتوعية الجماهير العربية في البلاد والعالم".

 

عندما نُريد نستطيع إسقاط جميع المخططات الإسرائيلية العنصرية!

وفي حديثٍ لنا مع مدير مركز عدالة القانوني - في النقب الباحث د. ثابت أبو راس، لفت إلى أنَّه يعتقد بوجود عدة عوامل أدّت لإلغاء أو وقف تشريع مُخطَّط برافر، أوَّلها العمل الميداني والنضال الميداني والسياسي الذي خاضته عدة جهات وعلى رأسها الحراك الشبابي، الذي نجح بتسليط الضوء على معاناة أهل النقب، وتابع: "السبب الآخر هو الضغط الدولي الذي يتزايد على إسرائيل من كافة العواصم الأوروبية حتى مِن البيت الأبيض والكونغرس ومِن سائر أصدقاء إسرائيل في الخارج، الذين رأوا بالمشروع مُخطَّطاً عنصرياً بامتياز ضد الأقلية الفلسطينية في الداخل، علمًا أنّ قرار الاتحاد الأوروبي باعتبار مُخطَّط برافر عنصرياً ومميّزاً هو واحدٌ من الأسباب التي دفعت باتجاه إحراج إسرائيل. أمَّا السبب الثالث، فهو الخلاف في أروقة الحكومة حول تقييم المرحلة الأخيرة، والحديث عن أنّ 80% من عرب النقب مطَّلعون وموافقون على الـمُخطَّط في حين اتضح الكذب والتمويه في هذا الشأن".

وتابع د. أبو راس: "يضاف إلى ذلك وحدة الأحزاب السياسية العربية في مواجهة الـمُخطَّط، وتمزيق القانون مِن قِبَل أعضاء الكنيست العرب في البرلمان الإسرائيلي، الأمر الذي عزَّز النضال الجماهيري لدى الأقلية الفلسطينية، ورفع مستوى الخطاب السياسي في قضايا الهوية والأرض ومواجهة العنصرية الإسرائيلية".

وأشارَ د. أبو راس إلى أنّ دور المؤسسات الأهلية والقانونية ومِن بينها مركز عدالة ساهم أيضًا في تسليط الضوء على مُخطَّط برافر وعلى ضرورة مواجهته قانونيًا، محليًا ودوليًا.

كما أكدّ د. أبو راس للقدس أنّ سياسة الحكومة مستمرة في هدم بيوت أهالي النقب، وهي لن تحيد عن تجريدهم من أراضيهم إذا لم تكن هنالك مواجهة مِن قبل الجماهير العربية، خاصةً أنّ هؤلاء السكان هم الأكثر فقرًا وعوزًا واحتياجًا للحياة الآمنة، مشيرًا إلى أنّ عدد المجندين من أبناء النقب هم قلّة لا تتعدى العشرات، وأنّ الأمر تغيَّر خصوصًا بعد تأكُّد أهالي النقب أنّ الحكومة تستهدفهم وتميّز ضدهم، بينما الأكثرية من بدو النقب هم وطنيون ملتزمون بحقهم في البقاء فوق أرضهم، ولن يتنازلوا "ولو عن شبرٍ" من مُلكهم.

وعن مخططات إسرائيل تجاه النقب كشف د. أبو راس أنّ حكومة إسرائيل تُخطِّط لإقامة 15 مستوطنة يهودية جديدة في النقب. وهذه المستوطنات موجودة في مراحل تخطيط مختلفة، وأوضح "تم إقرار إقامة سبع قرى يهودية على أنقاض وأراضي عرب النقب. وتحت ضغوط الإعلام ومناهضة عرب النقب لمشاريع الترحيل هذه، تم الكشف عن خارطة جديدة هي "خارطة برافر". ووفق الخارطة تهدف الحكومة إلى منع عرب النقب من التواجد غربي شارع 40 وإغلاق مناطق معينة في شمال - غرب النقب، على خلفية قومية، أي لأنهم عرب. وهذه السياسة يسمونها في دول الغرب "أبارتهايد"، وتُظهِر الخارطة الجديدة التي كُشفت مؤخرًا أن مناطق التعويض لعرب النقب، هي أقل من 20% من المساحة التي يطالب العرب بها، وستكون مناطق مقفرة وقاحلة، وهي أراضٍ تقع بين بلدتَي ديمونا وعراد، أي الأراضي القاحلة في السفوح المؤدية إلى البحر الميت، ولن يستطيع عرب النقب الاستفادة منها أبدًا بينما هم يعيشون الآن في أراضٍ زراعية".