وليـد درباس / شكَّلت منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسَّساتها المختلفة في لبنان، حاضنة مهمة لأبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف مشاربه وشرائحه الاجتماعية حيثُ وجد بها الفلسطينيون متنفَّساً للعيش الكريم دونَ عوز وذلة سؤال، إلا أنهم بفترات لاحقة ومع مرور المنظمة بأزمات مادية، عرفوا عذابات بالعديد من القضايا الحياتية المطلبية التي باتت مع مرور الوقت بمثابة كرة ثلـج متدحرجـة، وخصوصاً أزمة العمالة في القطاعات اللبنانية، ما فتح باب الكفاح مرة أخرى ولكن في سبيل لقمة العيش هذه المرة.

 

العمال الفلسطينيون ضحايا القوانين المجحِفة

لا يخفى أن الفلسطينيين في لبنان يعانون أزمةً على صعيد العمل، حيثُ أن المراسيم التشريعية اللبنانية  تمنع الفلسطيني من مزاولة عشرات المهن في القطاعات اللبنانية الرسمية بذريعة تطبيق مبـدأ المعاملة بالمثـل. ومن هنا فقد نشطت العديد من الجهات في محاولة لحل هذه المشكلة، وتشكَّلت الوفود واللجان الفلسطينية الرسمية وكان لقوى المجتمع المحلي الأهلي الفاعلة دور بالغ الأهمية، ومنها "الائتلاف اللبناني الفلسطيني لحملة حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان".

وتؤكِّد عضو قيادة حملة "حق العمل" مكـرم الخطيب أن قضية حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان ذات أولوية مطلقة، وترى بدراسـة أكاديمية علمية أجريت العام 2004 شهادة على ذلك خاصة أن مؤشراتها لمستوى البطالة بصفوف الفلسطينيين القادرين على العمل وصلت حـد 65%، ونسبة خـط الفقر بصفوف الفلسطينيين عموماً بلغت 66% وفي مقدمهم العمال والمهنيون. وترى الخطيب بالمراسيم اللبنانية قيـداً يحول دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم الإنسانية والمدنية، لافتةً إلى أن ذلك دفـع القيمين على برنامج المناصرة بجمعية النجدة الاجتماعية لإطلاق مبادرة حـق العمل في العام 2005 التي اتسعت تدريجياً لتشمل العديد من القوى ومؤسسات المجتمع الأهلي، على المستويات الفلسطينية اللبنانية والدولية، وتشرح: "الحملة تحوَّلت إلى ائتلاف يتشكَّل اليوم من 65 مؤسسة فلسطينية، 19 منها لبنانية، و3 دولية و5 مستقلة، إضافةً إلى إطلاق عمل اللجان الشبابية لمناصرة حق العمل في تموز 2013".

وتضيف الخطيب "وقد أسهم تصميم عموم الفلسطينيين وعلى رأسهم مؤسَّسات المجتمع الأهلي وتحديداً ائتلاف حملة حق العمل على المضي بكفاحهم المطلبي بقيام مجلس النواب اللبناني العام 2010 بتعديل المادة رقم"59" من قانون العمل ما مكَّن الممرضين والممرضات مؤخَّراً من الحصول على حق العمل بالمؤسسات الصحية الاستشفائية اللبنانية، إلا أن ذلك لم ينعكس على أرض الواقـع بشكل متساوٍ مع أشقائهم اللبنانيين، ما يتطلَّب عملاً دؤوباً لتحويل الحقوق المكتسبة نظرياً إلى واقع معاش، والدفع باتجاه إصدار مرسوم تنفيذي للتعديلات الصادرة العام 2010 بحيث تُعدَّل الأنظمة الداخلية للنقابات المهنية لإعفاء الفلسطينيين من مبدأ المعاملة بالمثـل وشمولهم بتقديمات الضمان".

أمَّا رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري، فلفت إلى أن العدد المفتَرَض للفلسطينيين في لبنان نظرياً يتراوح ما بين 360 إلى 400 ألف نسمة، وأضاف "بحسبة بسيطة فنسبتهم لا تتعدى 6 إلى 7% من النسيج الاجتماعي اللبناني- هـذا بحال افترضنا أن عدد اللبنانيين المقيمين عملياً في لبنان أربعة ملايين نسمة- وهم محرومون من العمل بصورة قانونية وشرعية، وبالتالي فهذا خطر كبير عليهم وعلى النسيج اللبناني كـكُـل".

ويضيف: "المشكلة الخطرة هي أن نسبة البطالة العادية في أي دولة هي 5%، في حين أن نسبة المحرومين من العمل في لبنان تبلغ بمفردها 6 إلى 7%"، لافتاً إلى أن القوانين اللبنانية شكَّلت أزمةً للفلسطينيين خاصة بعد اتفاق الطائف، وبسبب المشاكل والتسويات بين اللبنانيين أنفسهم، وفي زمن تعاقبت على السلطة ثلاث حكومات مورِست خلالها بحق الفلسطينيين بعض الإجراءات التي تحوَّلت فيما بعد لعُرف ومن ثم لحرمان وصولاً حـد قوننتها بمراسيم تشريعية تعدَّت المنع من العمل لتطال المنع من التملك أيضاً، ويكمل "بالرغم من ذلك نصف أنفسنا بالمجتمعات المتدينة وبيننا جزء يخالف الشريعة..وأحياناً نختلف على تفسيرها. وبالطبع فالفئات الأكثر تضرراً مما سبق هي الأكثر ضعفاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وفي مقدمهم العمال، والحرفيون، والمهنيون وحتى رجال الأعمال الفلسطينيون".

 وأعتبر البزري أن مبدأ المعاملة بالمثل حجـة غير قانونية بحق الفلسطينيين موضحاً "كيف لك أن تطلب المعاملة بالمثل من شعب تعترف أن أرضه محتلة وأنَّك جزء من صراعـه لاستعادة أرضه؟!"، داعياً للتوقف عن رد المنع- وإن خفية- لأسباب تبدو حيناً ذات طابع سياسي وأخرى ذات علاقة بالنسيج اللبناني وتركيبته المذهبية ولفزَّاعة "الحرمان يدفع الفلسطينيين للتمسُّك بالعودة بدل التوطين"، مؤكِّداً أن الفلسطينيين قد اثبتوا أنهم أول الرافضين للتوطين، وأن تمسُّكهم بحقوقهم الوطنية وعلى رأسها حق العودة لا تنازل عنه. ومن جهة أخرى، لفت البزري لأهمية ومكانة منظمة التحرير وسفارة فلسطين، وضرورة التعاطي معهما بما يخص الملف الفلسطيني أسوة بتعامل لبنان مع باقي سفارات الدول الأخرى، وخلُص بتقديم التهنئة للممرضين على ما حقَّقوه بحق السماح بالعمل، منوِهاً إلى كونهم أول من خرق الحاجز اللبناني، ومشدِّداً على أن "هذا ليس كرما أو منة إنما لحاجة اللبنانيين ولطبيعة الجهود الحثيثة التي قامت بها مكونات المجتمع الفلسطيني .. وهي خطوة بالاتجاه الصحيح".

 

بين تشريع القرار وسريانه القانوني

من جهته، دعا رئيس "التجمُّع الديمقراطي للمهنيين الفلسطينيين في لبنان" فتحي كليـب لتوخي الموضوعية بتقييم ما تحقَّق للممرضين باعتباره "جاء نتيجة عدة اجتماعات عقدها الائتلاف مع نقيبة الممرضين في لبنان، وتخلَّلها تقديم دراسة مفصَّلة عن أحوال الممرضين خضعت لمناقشة مستفيضة شارك فيها مندوبون عن كل من وزارة الصحة اللبنانية، والصحة العالمية في لبنان، ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وانتهت بتوصية دعت وزارة العمل للسماح للممرضين الفلسطينيين بالعمل في المؤسسات الصحية اللبنانية، وردت الأخيرة أن لا مانـع"، وهذا برأي كليب يُعفي الممرضين من الملاحقة بوقت لا يزال المنع سارياً على المستوى القانوني لأن النظام الداخلي لنقابة الممرضين والممرضات في لبنان لم يلحـظ هذا التغيير"، ويزيد "لا يزال أمامنا وأمام الممرضين الكثير من العمل لتكريس حقهم من خلال تشريعات قانونية لا من خلال قرارات إدارية أو وزارية"، لأن الأخيرة برأيه قابلة للإلغاء بذات الآليات التي أقرتها، مشدِّداً على ضرورة التوجُّه إلى مجلس النواب اللبناني باعتباره الجهة التشريعية المخولة إصدار القوانين وتنظيم أصول عمل النقابات أيضاً.

كذلك نوَّه كليب إلى الصعوبات التي يواجهها الممرضون وتحديداً خريجو المعاهـد بسبب حاجتهم الماسـة لمصادقة شهاداتهم من جهات الاختصاص المخوَّلة في لبنان، ما يجعلهم عرضة للضغوطات والابتزاز، داعياً لإدراج هذه المسألة بأجندة الجهات المعنية لمتابعتها. ودعا الممرضين لأخـذ المبادرة والخطوات اللازمة لتشكيل اللجان وأطر العمل المهني النقابي خاصتهم آملاً في الآن عينه أن يحـذو قطاع التجارة والمحاسبة حذوهم أيضاً، وختم مخاطباً الجهات المعنية بالقول: "إن الحقوق الإنسانية للفلسطينيين لم تعد تحتمل أي تأجيل لأن انعكاساتها وتداعياتها لن تبقى بحدود المخيمات فقـط، فهناك الكثير من النماذج والتجارب التي تؤكِّـد أن الضغـط ثم الضغـط لن يولـد إلا الانفجار وإذا ما وقع فسيطال الجميع".

بدوره توقَّف مدير الإدارة في مستشفى الهمشري الدكتور فادي سلامة حيال قدرات الممرضين والممرضات وكفاءاتهم وتفانيهم، ما يشكِّل عامل تشجيع لأصحاب المؤسسات الصحية في لبنان لتوظيفهم بحسب رأيه، لافتاً إلى أن في ذلك منفعة مشتركة للفلسطينيين واللبنانيين على حـد سواء وأضاف "إن حرمان الفلسطينيين من العمل ظلم كان ولا زال ممارَسـاً بحقهم ومرده اعتقاد خاطئ لدى السياسيين من كلا الطرفين بأن إبقاء الشعب الفلسطيني اللاجئ تحت دائرة العوز والفقر هو الحافـز الأكبر لتمسكه بحق العودة"، وختم بالتأكيد على أن الشعوب لن تتحرر ولن تُطالب بحقوقها إن لم تكن قادرة على الاكتفاء المادي الذاتي.

كذلك اعتبرت عبير يوسف- التي تحدَّثت باسم الهلال الأخضر اللبناني- أن حق العمل للفلسطينيين، ومن ضمنه مهنة التمريض، هو حـق مكتسب كفلته شرائع الأمم المتحدة في قوانينها، وكفله الدستور اللبناني بذاته حين نص على مبدأ المعاملة بالمثل، حيث أن الدستور الفلسطيني المعمول به قبل الاحتلال الصهيوني ينُص على السماح للبناني بالعمل داخل فلسطين، وعليه فإن حق العمل للفلسطيني يجب أن لا يخضع لأي مساومة أو ابتزاز من أي جهة سياسية كانت ناهيك عن إنسانيته المطلقـة.