محمود الأسدي/ باحث أكاديمي
ما يجري في الشرق الأوسط حَمَلَ دولاً غربية وشرقية عالمية إقليمية ومحلية على محاول إنهاء الصراع في المنطقة تأميناً لمصالحها وبسطاً لهيمنتها وترسيخاً لنفوذها وتخلصها من أعباء مالية واقتصادية وعسكرية. وأدلى العديد من رجال فكر وإعلاميين وأساتذة جامعات ورؤساء حركات إنسانية وحقوقية ومجتمعات مدنية بطروحات وأبحاث وتوصيات شكلتْ رافداً لخطط وتوصيات الشرعية الدولية ومعاهدة جنيف..
غاية التحركات الدولية والإقليمية والمحلية إقامة سلام في المنطقة ووضع حد لصراع دام ومدمر امتَّد عقوداً طويلة منذ وعد بلفور 1917، وقرار تقسيم فلسطين 181 لعام 1947، وقرارات مجلس الأمن 242، 338 و 1397 لعام 1967.
إذا كان السلام غاية ينشدها العالم، لمَ لم يتحقق إذن، إن الدول التي عانت الكثير من حروب مدمرة وفضائح أخلاقية وإنسانية تردد "لا حرب بعد اليوم".
لِمَ الإهمال وغض الطرف عن "تحقيق السلام في الشرق الأوسط على أساس دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، دولة فلسطينية عاصمتها القدس؟ وصهيونية على حدود حرب حزيران لعام 1967؟
الكيان الصهيوني لم يلتزم تنفيذ أي من قرارات الشرعية الدولية ويلجأ إلى مماطلة وتحايل، وتسويف ومراوغة من أجل قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع مستوطناته اللاشرعية القائمة في الضفة الغربية وبناء مستعمرات جديدة وتغير معالم مدينة القدس وفصلها عن محيطها الفلسطيني. الكيان يريد خلق حقائق جديدة على الأرض تقوض حتماً إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة- ناقصة السيادة تعتمد كليا على الكيان الصهيوني اقتصادياً وأمنياً وثقافياً.
الموقف الصهيوني العنصري المتمادي يستدعي الغوص في حقيقة المشاكل والصراعات القائمة لإيجاد حلول لها. المشكلة لم تعد قضية فلسطينية إسرائيلية فحسب!!
الشرق الأوسط يمتازُ بتاريخه وآثاره وثقافته وحضارته كونه مهد الرسالات السماوية الثلاث وحاضناً لها. وأنه يمتاز بفلسفات وأيديولوجيات ومفاهيم متنوعة. هذه التباينات تختلقُ تنافراً ونشازاً يتحول إلى صراعات على قضايا دينية، فلسفية وأيديولوجية تتحول إلى صراعات سياسية حول الأرض والوجود..
اعتقد العالمُ أن احتمال نهاية الصراع في الشرق الأوسط قد شارف على نهايته حين وقع رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني اتفاقات السلام ومصافحته للرئيس المرحوم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. الاتفاقات تلك شكلتْ حقيقةً مؤقتةً ما لبثتْ أن تحولت إلى سرابٍ بعد عمليات عسكرية تبعتْ اتفاق السلام.
سياسة إسرائيل القائمة على نبذ الآخر دينياً، واجتماعياً، سياسياً وحضارياً، ثقافياً وإنسانياً تعود إلى عام 1215 مما اضطرّ المؤتمر المسيحي الرابع إلى إصدار قرار معاقبتهم وطرهم من أوروبا. لم يكن القرار وليد سياسة دينية اثنية أو عنصرية مطلقاً، كان القرار إثر ممارسة ونهج اعتمده اليهود في المجتمعات التي عاشوا فيها. لقد عمموا الخداع والرشا واحتكار رأس المال والرذيلة وبث التفرقة بين المجتمعات وأججوا الصراعات الدينية والحروب بين الشعوب.
أشارَ وليم كاد في كتابه أن طرد اليهود من الدول الأوروبية كان شاملاً. وأرَّخ أن بداية طردهم كان من فرنسا مرتين 1253 و 1306، وبعدها من بريطانيا مرتين أيضاً على عهد الملك هنري الثالث 1255، والثانية على عهد الملك إدوار 1275، ومن بلجيكا طردوا مرتين 1360 و 1744، وكذلك من النمسا 1420، ومن اسبانيا مرتين 1391 و 1491 ومن البرتغال 1498، ومن ايطاليا 1540، ثم كان عام 1939 حيث طردوا من ألمانيا (وليم كار، الصهيونية وراء كل جريمة).
ألا يثير الموقف الأوروبي الدهشة ويستدعي التساؤل؟ ألا يشير إلى ممارسات صهيونية مرتكزاتها الاحتكارات المالية والرشا والخداع والرذيلة وطرق معيشة مرفوضة وممجوجة أوروبياً؟
قرّاء الأدب الأجنبي يذكرون الروائي البريطاني وليم شكسبير حيث وثَّق جشع وطمع اليهود واستغلالهم لأفراد المجتمع والاستبداد بهم واستبعادهم لأنهم أغيار (غير اليهود)، في روايتين هما، "تاجر البندقية" و"يهودي مالطا". رسمت الروايتان صورة واقعية لاستخدام المال اليهودي وسيلة لاستعباد المدنيين وإذلالهم لأي طائفة إثنية أو عقيدة انتموا.
يُحدّث غور فيدال نقلاً عن المؤرخ الأميركي جون كندي عام 1950، قوله "خلال حملة هنري ترومان الانتخابية عام 1948 لرئاسة الولايات المتحدة ومعاناته المالية لمتابعة الحملة. تقدم منه يهودي يحمل حقيبة بداخلها مليونا دولار أمريكي نقداً. الرشوة تلك شكلتْ رافعةً وحافزاً ودافعاً لاعتراف الرئيس ترومان بدولة إسرائيل فور إعلانها عام 1948، تبعها اعتراف الاتحاد السوفياتي بالكيان الصهيوني.
إسرائيل شاحاك أستاذ الكيمياء في الكيان الصهيوني، انتقد ممارسات الصهاينة اللاإنسانية وطاول انتقاده تعاليم التلمود وأثره في تعبئة الحاخامات ومحاولتهم تحويل حكومتهم إلى حكومة ثيوقراطية (دينية) تُقدِم على التعصب ونبذ الآخر، وأجرى شاحاك موازنة بين ممارسة الصهيونية والنازية موضحاً أن الكيان الصهيوني عنصري كالنازية يميز لصالح اليهود ضد غير اليهود في العديد من مجالات حقوق العمل والإقامة والتعليم والعدالة، وذكر بعض منها:
- حقوق الإقامة- 92% من الأراضي الفلسطينية هي ملك الدولة.
- حق العمل- يمنع الاغيار من العمل في الأراضي التي تديرها سلطة الأراضي الإسرائيلية.
- حق المساواة أمام القانون- لا يتمتع مواطنو إسرائيل من غير اليهود بحق المساواة أمام القانون.
- قانون العودة- يقتصر فقط على اليهود الذين يرغبون العودة إلى "أرض الميعاد" أرض "شعب الله المختار" والعيش بها وإن اختلفتْ ثقافتهم وقوميتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم شريطة الالتزام بشرعة الصهيونية وقوانينها (إسرائيل شاحاك، الديانة اليهودية وتاريخ اليهود 3000 عام).
- والحاخام أفيدا يوسف الرئيس الروحي حزب شاس المشارك في الحكومة، يدعو أنصاره إلى إبادة الفلسطينيين والعرب يوم عيد الغفران اليهودي، ويقول "تمنع الرحمةُ والرأفة بهم (العرب). وجّهوا صواريخكم من أجل قضاء تام عليهم. إنهم شر وملعونون". وقد وصف العرب في مقام آخر بقوله: "إنهم مصاصو دماء".
- الرغبة في إقامة سلام دائم وعادل ووضع حد لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة أدى إلى موافقة منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الدول العربية إلى المشاركة في مؤتمر مدريد، تشرين أول 1991، ثم كان إعلان المبادئ في أسلو بين السلطة والصهاينة في 13/ أيلول 1993، وبعدها اتفاقية المرحلة الانتقالية في أيلول 1995. تتابعت وتوالت المؤتمرات والاتفاقات التي ترمي إلى إنهاء الصراع وإقامة سلام دائم في المنطقة، ومنها: مذكرة وادي ريفر في تشرين أول 1998، قمة مذكرة شرم الشيخ في 14/ أيلول 1999، ومفاوضات الوضع الدائم في قمة كامب ديفيد تموز 2000، ثم أفكار كلينتون مفاوضات طابا كانون أول 2001، وكانت خارطة الطريق 24 حزيران 2002، وفي العام ذاته وثيقة الجامعة العربية 2002، بعدها وثيقة جنيف تشرين الثاني 2003، وآخر المبادرات المبادرة الفلسطينية في أيلول 2011 والتي تنص على تقرير المصير والاستقلال التام والسيادة الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة.
- بمعنى آخر القبول بمساحة 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية.
- غاية المبادرات والخطط والطروحات والأفكار وضع حدٍ لعقود من الصراعات والمواجهات والمعاناة والدمار والتشريد والاعتقالات والتهجير والعيش بسلام وكرامة وأمن متبادل وحل عادل ودائم وشامل وتحقيق مصالحة تاريخية.
- أين وصلت المفاوضات؟ وماذا حققت الطروحات والخطط والمبادرات؟ وأين وصل التفاوض المراثوني؟ الإجابة يدركها الجميع. لا يسعنا العودة إليها.. الصهاينة ينتهجون منهجية تسويف ومماطلة ومراوغة لكسب الوقت وإدخال تغيرات جذرية يصعب نتيجتها إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.
- الصهاينة يطالبون بمفاوضات من أجل المفاوضات، ففي الخليل، على سبيل المثال، 400 يهودي يمنعون 140,000 فلسطيني من مزاولة أعمالهم التجارية والتنقل في وسط الخليل!!
والصهاينة اقتطعوا حيزاً كبيراً داخل المسجد الإبراهيمي لتأدية شعائرهم الدينية. اعتداءات الصهاينة المتكررة على الأقصى ورفع العلم الصهيوني في باحاته. وبالأمن القريب 20/11/2013 رُفع العلم الصهيوني في باحة الأقصى بحماية القوات الصهيونية. والصهاينة قطعوا المياه والكهرباء عن الفلسطينيين سكان الأغوار الشمالية في 20/1/2013. الصهاينة يضربون حصار تموين على قطاع غزة. آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يطلقون عشرات إثر التفاوض ويعتقلون المئات. هدم البيوت وتجريف الأراضي والاعتداء على الفلسطينيين في موسم قطف الزيتون وجمع المحاصيل الزراعية اليومية بحماية القوات الصهيونية.
الحقيقة الثابتة أن الصهاينة يريدون الأرض والسلام معاً.
يقول المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد "إن المنفذ الوحيد للسلام يكون بخلق مناخ عدل ومساواة بين الفلسطينيين واليهود في دولتين مستقلتين _ (ادوارد سعيد، خطة السلام ص. 282).
هل يمكن تحقيق ذلك ؟ ومتى؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها