خمسة عشر شهراً مرت على حرب الإبادة الجماعية في غزة، بعد مغامرة حماس غير المدروسة، بإطلاق عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/أكتوبر 2023. أسفرت بعدها عن فظائع ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، وتدمير جميع أشكال الحياة في القطاع بشكل كامل، وإعادة الاحتلال والتواجد العسكري الإسرائيلي فيما تسمى المحاور العسكرية، والمناطق العازلة في القطاع بشكل تم فيه تقطيع أواصر التواصل بين مدن قطاع غزة. وعلى ما يتضح من الإنشاءات العسكرية الإسرائيلية في هذه المناطق، أن التواجد الاحتلالي سيكون دائمًا، لا لغرض عمليات عسكرية آنية. والسؤال المطروح: بعد كل ماحدث، على ماذا تراهن حركة حماس في هذه الحرب؟.

- في سبيل الإجابة عن ذلك، لا بد من الإشارة إلى النقاط الآتية:

- أولاً: هل ما زالت حماس تراهن على ما تبقى مما تدعي أنه محور المقاومة وإيران؟ الذي أثبتت الحرب أنه وهم وسراب كبيران، خدعت فيه إيران حلفاءها في المنطقة، لأهداف طائفية وعسكرية إيرانية بحتة. ورأينا كيف تخلت إيران عن حزب الله ومن قبله حماس في حربهما مع إسرائيل. وما كان يسمى محور المقاومة، ما هو إلا ورقة إيرانية للتوسع والتدخل الطائفي في المنطقة، وللمساومة في حوارها مع الغرب، حول برامجها العسكرية والنووية.

- ثانياً: هل تراهن حماس على ورقة المحتجزين الإسرائيليين لديها لتحقيق مطالبها؟ قد يقول قائل: إن "الورقة الرابحة لدى حماس في الوضع الحالي، هم المحتجزون الإسرائيليون لديها منذ السابع من أكتوبر، وبهم تستطيع حماس تحقيق بعض من غاياتها في هذه الحرب". لكن الواقع مختلف تماماً، ويتضح ذلك من خلال ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، من القصف العشوائي المهول، والتدمير لمربعات وأحياء سكنية كاملة، بأن الجيش والقيادة السياسية الإسرائيلية لا تلقي بالاً لمصير هؤلاء المحتجزين، بل العكس، فهي كانت تتمنى أن يلقوا جميعاً حتفهم في هذا القصف، وهو ما حدث بالفعل لأكثر من 50 محتجزاً، وفقاً لإعلان حماس نفسها، حتى لا تبقى لحماس أي ورقة للمساومة عليها أمام إسرائيل. فالقيادة السياسية الإسرائيلية لديها أهداف في حربها على غزة معلنة، وأخرى خطيرة غير معلنة، تتلخص بتدمير القطاع بشكل كامل، ودفع سكانه للهجرة منه، بما يمهد الطريق لتطبيق حلم ومخططات "يهودية الدولة". وتريد تحقيق هذه الأهداف مهما كلف ذلك من ثمن حيث ترى في هذه الحرب فرصة لن تتكرر.

- ثالثاً: هل تراهن حماس على مقدراتها العسكرية المتواضعة مقارنة بالترسانة العسكرية الإسرائيلية، وقدرة مقاتليها على الصمود لتحقيق شيء من هذه الحرب؟ سؤال وارد، والإجابة عليه بسيطة جداً. حتى وإن كانت حماس تخوض هذه الحرب من منظور ديني، وتنتظر نصر الله المؤزر لها، فقد غاب عنها أن زمن المعجزات قد ولى وانتهى، مع انتهاء بعثات الأنبياء. والحروب الآن تُخاض من خلال حسابات موازين القوى الواقعية البحتة، ومهما امتلكت حماس من إيمان أو حق، فالنصر سيكون حليف القوي مهما كان على باطل. هذا جانب، من جانب آخر، إسرائيل كانت وما زالت تحاصر قطاع غزة، وتسيطر على كل صادرة وواردة. وخلال الحرب شددت من خناق حصارها، لدرجة أنها أدت لحدوث مجاعة حقيقية في القطاع. فكيف لحماس أن تواصل حربًا وفق هذه المعطيات؟ وستأتي لحظة تنفذ فيها كل ما تمتلكه من ذخائر، كما نفذ الغذاء والدواء من القطاع. وإن كانت حماس تستطيع الصمود والتأقلم مع هكذا ظروف، فهنالك شعب ومليونا إنسان لا يستطيعون ولا يريدون.

ختاماً، الأمور في قطاع غزة وصلت إلى وضع إنساني كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبصورة مست كرامة المواطنين هناك. وعلى حماس بدلاً من المراهنة على هذا وذاك، أن تنظر إلى داخل البيت الفلسطيني، وتسلم مقاليد الأمور لمنظمة التحرير الفلسطينية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في قطاع غزة وأن تخرج تماماً من المشهد، بعد الكارثة التي ألحقتها بالقطاع؛ نتيجة فشل إدارتها وحساباتها.