يهل العام الجديد والتحديات القائمة امام القيادة الشرعية عموما والرئيس ابو مازن خصوصا، ما زالت على حالها، لا بل انها تزداد تعمقا، لان استمرارها يعني تعقدها، ومضاعفة تداخلها وأثقالها على الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح. لا سيما انها تشمل مجالات الحياة الداخلية والخارجية بمستوياتها المختلفة. ولو حاول المرء ترتيبها حسب الاولويات من وجهة النظر الخاصة، فإنها كالتالي:

اولا, التحديات الداخلية: وقبل تحديدها، فإن الضرورة تملي إبراز الاهمية القصوى للعامل الذاتي، الذي دون نهوضه، واستشعار صانع القرار بأهمية الشروع بإحداث قفزة في مفاصل وركائز القاعدة الوطنية، التي يستند لها، فإن من الصعب تحقيق قفزة في مواجهة التحديات الخارجية، ليس هذا فقط، بل من الصعب بقاء الذات على ما هي عليه بصيغتها الحالية، التي لا توحي بالطمأنينة، لان اكثر الاتجاهات تناغما مع الحالة السائدة، يشكون مرارة الواقع، ووشوشاتهم آخذة في الارتفاع عاكسة بؤس الحالة. وهي كالتالي:

1- النهوض بحركة فتح، الفصيل القائد للمشروع الوطني ومنظمة التحرير، والممسك بمقاليد القرار الفلسطيني من جوانبه المختلفة: السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والامنية والدبلوماسية والرياضية ... إلخ

ولا يخفى على احد أن "فتح" بحاجة ماسة لاستنهاض قواها الذاتية، لانها بمقدار ما تنهض وتتمثل اهداف المشروع الوطني، بقدر ما تنهض باقي مكونات الساحة الوطنية وخاصة فصائل العمل الوطني، والعكس صحيح. كل هيئة قيادية مركزية او محلية في الحركة معنية باعادة النظر في أدائها ودورها، وإدراكها للمسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه نفسها واعضائها وتجاه الشعب. مع الادراك العميق ان المسؤولية ليست واحدة بين الهيئات المركزية والمحلية، لان المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة المركزية والمجلس الثوري أعظم عشرات ومئات المرات من الهيئات القيادية المحلية الموزعة على الاقاليم. هناك تفاصيل كثيرة يمكن الحديث بشأنها، ولكن عنوان الرسالة واضح جدا، والمعنيون بأمر حركة فتح، يعرفون جيدا كافة التفاصيل، لأنهم يعيشون المرارة يوميا من الواقع القائم.

2- ترتيب شؤون منظمة التحرير، هذا التحدي رافق فصائل العمل الوطني منذ تولت فصائل العمل المسلح الوطنية قيادة المنظمة، وما زال هذا العامل يلقي بنفسه صباح مساء على رأس القيادة الفلسطينية، لأن حالة قوى المنظمة بدءا من فتح وانتهاء بآخر فصيل فيها لا يبعث على الرضى، لأنها جميعها مأزومة، وتعاني من تراجع كبير في مكانتها داخل الشارع الوطني، دون الانتقاص من دورها التاريخي وما قدمته على مذبح الكفاح الوطني. لكن الرصيد التاريخي وحده لا يكفي للنوم على وسائده، لا بل ان هناك قطاعات شبابية لا تعرف شيئا عن تاريخ الفصائل، وليست معنية إلا بما تراه امامها من أفعال. النتيجة المنطقية تشير الى ان واقع المنظمة انعكاس للأزمة العميقة، التي تعيشها فصائل المنظمة، وهناك علاقة جدلية في انعكاس السلبيات ما بين الفصائل والاطار الوطني الجامع، منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

منظمة التحرير بحاجة الى تغيير جذري في آليات عمل مؤسساتها وأطرها على الصعد المختلفة، إن كان في طبيعة الشراكة السياسية او في اليات اتخاذ القرار وطريقة تنفيذه، ودور الهيئات القيادية في أداء مهامها وانتظام اجتماعاتها الدورية، رغم الادراك المسبق لصعوبة الظروف الموضوعية المحيطة بالقيادة، فضلا عن فقر حال الامكانات المالية، الامر الذي يملي على صاحب القرار التفكير ألف مرة قبل تبني دعوة المجلس الوطني للانعقاد. غير ان تلك التعقيدات لا يجوز ان تحول دون انتظام عمل هيئات المنظمة، لان اللجنة التنفيذية ليست ولا تستطيع تحمل المسؤوليات المتعلقة بمصير الشعب الفلسطيني، لا سيما ان اللحظة الراهنة والمقبلة، هي محطات ومنعطف هام في تاريخ النضال الوطني. وأيا كانت اللحظة السياسية فإن الضرورات تملي على القيادة اجتراح الصعاب ودعوة أُطر المنظمة للانعقاد قبل انخراط قوى الاسلام السياسي فيها، ودون استثنائها من الحضور والمشاركة. لأن المسؤولية تفرض ترتيب البيت الفلسطيني وفق المعايير, التي تخدم النهوض بالحالة الوطنية العامة، لا سيما ان بعض الاسلام السياسي المنقلب على الشرعية، والمختطف لمحافظات الجنوب، والقادم للساحة ليلعب دور البديل، بحاجة إلى ترشيد وتهذيب لخطابه وآليات عمله إن اراد ان يكون شريكا سياسيا، وقبل ذلك إلى الالتزام ببرنامج المنظمة.